الجديد

الرئيس قيس سعيد .. خارج الموضوع !  

منذر بالضيافي

غياب رئيس الجمهورية قيس سعيد، عن الاحتفال بالذكرى 65 لعيد الاستقلال، أصاب السواد الأعظم من التونسيين، بصدمة كبيرة وأيضا بخيبة أمل لا نبالغ بالقول أنها غير مسبوقة، وهو ما تم التعبير عنه بصراحة ودون مجاملات أو بروتوكولات، سواء في جل المنابر الاعلامية التقليدية أو في مواقع التواصل الاجتماعي.

فقد حصل اجماع تلقائي، على رفض ما اتاه ساكن قرطاج، وحتى المقربين منه والمتعاطفين معه وأنصاره الأوفياء، لم يجدوا عذرا صالحا ومقنعا يدافعون به على ما أتاه الرجل، في حق البلاد والعباد، من “تتفيه” لأهم مناسبة لدى عموم التونسيين، برغم درجة الانقسام المجتمعي والسياسي الحاد والمزعج، الذي تمر به البلاد.

وغياب قيس سعيد – الغير مبرر و الغير مفهوم – ، جعل الكثيرين يشككون في ايمان الرجل ب “الدولة الوطنية”، وانه هنا يلتقي مع التيارات القومية والدينية، في رفض الدولة الوطنية.

كما أعادت “مقاطعة” سعيد لذكرى الاستقلال للأذهان “الخطأ” السياسي والاتصالي لقيس سعيد في باريس الذي لم يعتذر عنه، والذي اعتبر فيه أن الحضور الفرنسي في بلادنا بين 1881 و 1956، الذي نهب البلاد وقتل الشعب المقاوم، لم يكن استعمارا بل حماية.  فهل أن الرجل ما زال متمسكا بأن فرنسا لم تستعمر البلاد، التي بفضل مقاوميها وشهدائها هو يرأس اليوم دولتها ؟

وفي محاولة لتبرير غيابه عن ذكرى وطنية هي الأهم في ماضي وحاضر ومستقبل “الأمة التونسية”، حضر اليوم قيس سعيد فعاليات إطلاق أول قمر صناعي في تونس صباح اليوم الاثنين 22 مارس 2021.

واعتبر بالمناسبة  أنه “من المفيد التذكير في هذا اليوم الذي وصفه بـ”التاريخي” أن هذا الغزو للفضاء سبقه غزو للأرض واستقلال وتشبث بالحرية والاستقلال”، مضيفا “أن الاستقلال يأتي في إطار التعاون وهو ليس وثيقة أو موكب يُنظّم بل إن “الاستقلال الحقيقي هو أن تكون سيّدا في الأرض تتعامل مع الآخرين على قدم الاحترام والمساواة.”.

دون الدخول في نقاشات لا نراها مفيدة، فان تبرير “الرئيس” غير مقبول وما أتاه من تهميش لذكرى الاستقلال الوطني لا يمكن تبريره وربما كان عليه التزام الصمت عوض ترديد خطاب أصبح لا يثير اهتمام التونسيين ولا يقنعهم في شيء وربما لسان حالهم وهم ينصتون اليه يتلخص في المثل الشعبي التونسي الشهير: “ربي يسحن العاقبة”.

وفي تعليق أخير نقول أن قيس سعيد فوت على نفسه الفرصة ليكون رئيسا لكل التونسيين وموحدا لهم ومشاركا لهم في ذكرياتهم ومحترما لمشاعرهم في الاحتفال بأهم اعيادهم، وكان غيابه رسالة سلبية جدا، لا أتوقع أن التونسيين سوف ينسونها، وسيكون ثمنها غاليا جدا.

النشاط الثاني لرئيس الجمهورية اليوم الاثنين 22 مارس 2021، تمثل في استقبال سيادته اليوم بقصر الجمهورية بقرطاج، السيد نوري اللجمي رئيس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” وهشام السنوسي، عضو الهيئة، اللذين قدّما تقريرا حول نشاط الهيئة لسنة 2018، وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية.

ووفق’ ذات البيان فقد “اطلع رئيس الدولة، خلال اللقاء، على العقبات التي تعترض الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري في أدائها لمهامها والقيام بدورها التعديلي والرقابي في قطاع الإعلام والضغوطات المفروضة عليها، مؤكّدا على أهمية المحافظة على استقلالية هذه الهيئة وعلى ضرورة تطبيق القانون على الجميع على قدم المساواة والتصدّي لتجاوزات وممارسات بعض وسائل الإعلام”.

كما “جدّد، بالمناسبة، مساندته المطلقة للإعلام الحرّ والنزيه، واهتمامه المتواصل بالمشهد السمعي والبصري وحرصه على أن يكون الإعلام مستقلا تماما عن السلطة السياسية.”. و دعا ” إلى التسريع بمعالجة ملف القنوات غير القانونية ومكافحة الفساد في قطاع الإعلام ووضع حدّ للدعاية السياسية ولمختلف مظاهر التمويل الأجنبي لعدد من وسائل الإعلام حتى لا تقع تحت تأثير جماعات المال والضغط في الداخل أو في الخارج ولا تفقد مصداقيتها ولا تتحوّل إلى بوق دعاية للتأثير على الرأي العام للوصول إلى السلطة أو البقاء فيها”.

كلام في ظاهره مهم جدا بل مفيد، فليس هناك أحب لنا نحن معشر الصحفيين وأيضا الحقوقيين وعام الناس من وجود اعلام حر ومستقل عن السلطة السياسية، لكن هذا لا ينفي أن بيان الرئاسة تضمن “ايحاءات” واضحة ولا لبس عليها في علاقة بالوضع السياسي الحالي، وبحالة الانقسام بين فسطاطين، الأول فيه “غريمه” في رئاسيات 2019 نبيل القروي صاحب قناة نسمة ورئيس قلب تونس، الذي يتهمه أنصاره بأنه غير بعيد عن ملف سجنه مرة أخرى، والفسطاط الثاني حول الرئيس ومعه أنصاره والكتلة النيابية / الكتلة الديمقراطية/ المكونة من حزبي “التيار الديمقراطي” و “حركة الشعب”، وهنا لا يجب أن نغفل عن العلاقة العدائية بين “نسمة” و “الهايكا”، والتي قد تلاقي هوى لدى الرئيس وجماعته في حربه ضد الائتلاف الحاكم الحالي ( النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة).

ونحن نتحدث عن العلاقة بين رئسنا والاعلام، يجب أن نشير الى “أزمة الثقة” بين الطرفين، فليس هناك شك بأن قيس سعيد ومنذ حملته التفسيرية التي أوصلته على ظهر الدواب للقصر الرئاسي، لم يكن في “انسجام” مع الاعلام التقليدي، الذي كان له الفضل في التعريف به، وهو الشخصية النكرة قبل الثورة، فليس له لا ماض نضالي ضد السلطة، ولا حضور في النقاش العام ، بل كان الاعلام التقليدي وراء بروزه بعد الثورة، وفتح له الفضاءات والمنابر، ليتحول الى شخص “معروف” ويستشيره الاعلام في مجالات تخصصه خاصة.

وما يبرز هذه العلاقة “العدائية” مع الاعلام التقليدي، أن الرجل وبعد مرور سنة ونصف من وصوله لقرطاج، لم يلتق بوسائل الاعلام المحلية، و لم يقم بأي حوار لا مكتوب ولا مسموع ولا مرئي، مع وسيلة اعلام تونسية، على خلاف ما هو متعارف عليه في كل بلاد الدنيا، وعلى خلاف ما كان معمولا به لدى كل من سبقه في هذا المنصب.

لا ننتظر أن يكون للرئيس قيس سعيد لقاء حواري مع الاعلام المحلي، وهو الذي يرفض الحوار من حيث المبدأ، وهو الذي كان عليه التسريع بفتح حوار وطني لتجاوز المأزق السياسي الذي اربك مؤسسات الدولة واثر سلبا على عمل الحكومة، ويعد هو من أهم المتسببين في حالة “البلوكاج” التي عليها البلاد اليوم، برفضه قبول الوزراء لأداء اليمين، وهو ما يرتقي للخطأ الجسيم دستوريا، باجماع فقهاء القانون الدستوري

 

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP