الجديد

شورى النهضة ….هل هو السير نحو وضعية الاستعصاء ؟

هشام الحاجي
وضعت مخرجات مجلس شورى حركة النهضة المنعقد نهاية الاسبوع الفارط كل المشتغلين بالشأن السياسي من ناشطين و متابعين امام مستجدات ستكون لها بكل تأكيد تأثيرات على التفاعلات الجارية منذ مدة في اطار الاعداد لتشكيل حكومة  ستجد نفسها امام رهانات غير مسبوقة في تاريخ تونس .
ما اعلن عنه مجلس شورى حركة النهضة له مستويان من الناحية العملية و عدة تداعيات من الناحية السياسية . فعمليا اقرت حركة النهضة ترشيح رئيسها راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان و هو ترشيح “متوقع ” منذ مدة لعدة اسباب من اهمها ان المرتبة الاولى من حيث عدد المقاعد في مستوى مجلس نواب الشعب هي لحركة النهضة و ان النهضويين لا يرون راشد الغنوشي في نهاية حياته السياسية “مجرد” عضو عادي في مجلس يفتقر الى حد كبير للأسماء السياسية الكبرى و يضم في عضويته شخصيات لا يزعجها اذا وجدت نفسها في وضعية “ندية ” مع الغنوشي ان تدخل معه في مناكفات و مشاحنات قد تمس من صورته و مكانته و هو الذي اعتبر بعض زملائه في حركة النهضة انه اكبر من مؤسسات تونس .
لكن “مأزق” قرار مجلس الشورى انه جاء بعد تسريبات و اعداد لان يكون راشد الغنوشي مرشح حركة النهضة لرئاسة الحكومة و هو التوجه الذي يبدو انه فقد وجاهته لوجود تحفظات عليه  من المحيط العائلي ل”الشيخ” و الذي يلعب دورا في قراراته و من مقربين من الرجل اعتبروا ان هذه المهمة تمثل “استنزافا للجهد و الطاقة ” لا ينسجم مع سن رئيس الحركة و حالته الصحية .
و ما حرص عبد الكريم الهاروني على اظهار اهمية مجلس نواب الشعب و دوره الا شكل من اشكال “التبرير ” لتغيير الاولويات و لأقناع كل النهضويين بوجاهة ترشيح راشد الغنوشي لرئاسة البرلمان خاصة و ان بعض الاصوات المعارضة داخل النهضة قد عبرت صراحة عن تمسكها بان يكون راشد الغنوشي مرشح حركة النهضة لرئاسة الحكومة .
ظهور هذه الاصوات هو تأكيد على ان مجلس الشورى لم ينجح اليوم في القضاء على نقاط التباين و الاختلاف التي ما انفكت تبرز بين قيادات حركة النهضة حتى و ان كان قد ابرز توحدا خلف التمسك بحق حركة النهضة في ان تتولى رئاسة الحكومة .
تمسك حركة النهضة بحقها في ان تكون في القصبة يمثل رسالة قوية للجميع سواء في الداخل او الخارج و هو تمسك يفتح خلال الايام القادمة على رهانات جديدة داخل الحركة و خارجها .
ذلك انه من غير المتوقع ان لا يكون اختيار الشخصية التي سترشحها النهضة لرئاسة الحكومة محل تجاذبات بين “الاجنحة المتصارعة ” داخل هياكل و مؤسسات الحركة خاصة و ان تمكن راشد الغنوشي من الحصول على رئاسة البرلمان قد يدفع المعارضة الداخلية الى التفكير في منع رئيس الحركة من “التغول السياسي” و هي التي تتأهب لدعوته لمغادرة مونبلزير في المؤتمر القادم للحركة .
لكن السؤال الاهم يتمثل في معرفة الكيفية التي ستحقق بها الحركة هذا “المرور بقوة ” الى رئاسة الحكومة في ظل ما يشبه الاجماع من الاحزاب السياسية البرلمانية على رفض ترأسها للحكومة .
قرار شورى حركة النهضة قد يكون رسالة منها بانها ستفرض شروطها كلفها ذلك ما كلفها و هي التي تدرك  ان هذا القرار سيعيد ثقة قواعدها فيها و لكنه من جهة اخرى يجبرها على اعادة قراءة رقعة الشطرنج السياسية من اجل البحث عن “الاغلبية الضرورية ” للحكم .
في هذا المستوى يبدو ان حركة النهضة  قد استبعدت  من حساباتها بشكل كامل حركة الشعب التي اربكت النهضة من خلال اقتراح “حكومة الرئيس ” و هو اقتراح نأي قيس سعيد بنفسه عنه و هو ما شجع النهضة على اغلاق باب التفاوض مع حركة الشعب .
الحزب الثاني الذي ارهق في الفترة “التسخينية” لتشكيل الحكومة حركة النهضة هو “التيار الديمقراطي” الذي رفع سقف مطالبه عاليا و الذي تراهن النهضة من جهتها على حصول اختلاف في التقييم داخل قيادتها يمكنها من احداث “شرخ ” يمكنها من تغيير موقف التيار الرافض لها .
حركة النهضة تدخل ساحة السعي لرئاسة الحكومة و هي لا تملك الا حليفا واحدا لا شك في اندفاعه معها و هو “ائتلاف الكرامة ” الذي يبدو اشبه بالابن العاق من حيث الاحراج الذي يسببه الارتباط السياسي معه لحركة النهضة داخليا و خارجيا و هو الذي تهجمت رموزه على المركزية النقابية و على دول تربطنا بها مصالح متبادلة بلغة لا تخلو من عنف و هو ما يعني ان افضل ما تنتظره النهضة من الائتلاف هو دعم حكومة النهضة دون التواجد فيها.
ليكون السؤال هل سيقبل الائتلاف ذلك ام لا ؟ و هناك سؤال اهم كيف سيدعم “الائتلاف ” حكومة قد تضم بالضرورة احزابا تنتمي  من حيث النسب السياسي للمنظومة القديمة و قد تمثل اعادة انتاج لتجربة “التوافق السياسي ” التي اختطها الباجي قائد السبسي و راشد الغنوشي من اجل تشكيل الحكومة بعد انتخابات 2014 .
لا يبدو الطريق سالكا بشكل مطلق امام هذا الخيار في ظل عدم التأكد من تماسك صفوف “قلب تونس” و من تمكن “النهضة ” من دفعه الى اتخاذ موقف اكثر ايجابية من حكومتها حتى و ان كان هذا التغيير قد يأتي بفوائد لحزب نبيل القروي .
لا يبدو الوضع الداخلي لحركة “تحيا تونس” بأفضل حال رغم ان فكرة “حكومة المصلحة الوطنية ” التي عبر عنها المجلس الوطني قد تتسع لتشمل رئاسة حركة النهضة لهذه الحكومة و ان معارضة بعض الرموز كمصطفى بن احمد للمشاركة في حكومة تراسها النهضة قد تضعفها امكانية تولي يوسف الشاهد وزارة الخارجية .
يبدو ان حركة النهضة تراهن لإنجاح قرارها برئاسة الحكومة على رغبة الفاعلين الاقتصاديين على عدم اضاعة الوقت و الاسراع بتشكيل حكومة تتحمل المسؤولية في هذا الظرف الصعب و على “خشية ” عدد من اعضاء مجلس نواب الشعب و من احزاب مختلفة من اللجوء الى “ابغض الحلال الانتخابي ” و هو الدعوة الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها لان ذلك قد يفقدهم مقعدا لا يمكن الجزم بإمكانية استرداده مرة اخرى.
 
 

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Go to TOP