الجديد

مبادرات العائلة الوسطية .. خطّاب على الباب

المهدي عبد الجواد

يتميّز المشهد السياسي في تونس بغياب التوازن الحزبي. حيث نعيش اختلالا واضحا تُهيمن في حركة النهضة ورديفها ائتلاف الكرامة، مقابل غياب كلّي لحزب إصلاحي وطني يُقيم معها توازنا ضروريا للديمقراطية، ولكنه ضروري لحماية الدولة ومكتسبات التونسيين ويحفظ مراكمات الحركة الإصلاحية التجديدية الوطنية منذ القرن التاسع عشر. وبقدر ما كانت مرحلة حكم “الترويكا الأولى” صعبة على التونسيين، فإنها كانت مبشّرة بميلاد حزب كبير “نداء تونس” الذي سرعان ما انهار وخيّب الآمال، بسبب رعونة قياداته وغياب تجربتهم وتكالبهم على السلطة وتضخّم أنوات الزعامة الكاذبة.

وكان من علامات ذلك، نتائج انتخابات 2019، التي منحت الجميع أحجامهم الحقيقية. وبدل الاتعاظ من ذلك، واستخلاص الدروس ومحاولة صياغة “نقد ذاتي” موضوعي يُساهم في تجاوز هذه “النكبة الديمقراطية” يُواصل أغلبهم التمادي في نفس السلوكيات والممارسات. وليس أدل على ذلك من تعدّد المبادرات الفردية التي تطمح جميعها إلى ملء “دار الوسط” وافتكاك الأحقية بقيادة هذه “العائلة”.

لكن الحقيقة الوحيدة الثابتة إلى اليوم ان كل هذه الدعوات بقيت “صرخات في واد” دون صدى لها في عموم جماهير “الدار”، فلا احد منها تحوّل فعلا الى حدث سياسي واجتماعي أو حتى إعلامي مثلما كان الشأن مع حدث إعلان الباجي على نداء تونس.

نجيب الشابي .. الأمل

بادر الأستاذ نجيب الشابي بإعلان التحاقه واندماج حزب الحركة الديمقراطية الذي يرأسه بحزب امل الذي تتزعمه السيدة سلمى اللومي رفقة رضا بلحاج الوزير السابق والمدير التنفيذي لنداء تونس رفقة مجموعة من مناضلي الحركة الديمقراطية وقدماء نداء تونس وبعض المستقلين. ولئن  تمّ الاهتمام بهذا الحدث إعلاميا، خاصة وانه بدأ منذ أشهر في شكل مشاورات موسعة مع أحزاب وقيادات “العائلة”، فإن انسحاب محسن مرزوق وياسين إبراهيم وسعيد العايدي، جعل الحديث على الفشل أعلى صوتا من الحديث على ايجابية هذه الخطوة.

ورغم ما يحظى به نجيب الشابي وسلمى اللومي من احترام وتقدير في أوساط واسعة من النّخب التونسية ودخل شرائح كبيرة من الفئات المختلفة، فإن المبادرة لم تستطع أن تتحوّل إلى حدّ اللحظة الى مبادرة جاذبة ومُغرية، ولم نسمع بتحوّلها الى ظاهرة سياسية واجتماعية. ولقد كرّر السيدان رضا بلحاج ونجيب الشابي الظهور الإعلامي، وكان أداءهما مقبولا، عقلانيا ومتوازنا، يكشف إيمانا عميقا بالقيم الديمقراطية والتزاما بمقتضياتها وأساليب إدارة الصراع فيها، كما حدّدا بوضوح الحدود مع “الإسلام السياسي” وطرائق التعامل معه، ناهيك على تواجد تصورات عملية وبرامج فعلية لمواجهة الأزمة المتعدّدة الإبعاد في تونس، سياسيا واقتصاديا ودستوريا واجتماعيا. لكن ذلك لم يُحرّك عوالم “الشعب”، ولم يدفعه للالتفاف حول هذه المبادرة.

محسن مرزوق .. المشروع

منذ “انشقاقه” على نداء تونس وتأسيسه حركة مشروع تونس، لم يدّخر محسن مرزوق جهدا في ابراز انغراس “مشروعه” في مسار الحركة الاصلاحية الوطنية، وأنه الوجه العصري “للعائلة”. وأكد في كل مشاركاته الاعلامية المتكرّرة طيلة سنوات ان هدفه هو توحيد العائلة وبناء حزب شعبي وطني اجتماعي يخلق توازنا مع الاسلام السياسي. ولكن حسابات البيدر اختلفت على توقعات الحقل، فقد شهد الحزب حركة عكسية من انسحاب قيادات مؤسسة وعرف انحسارا بعد ان كان في بداياته “الحزب البديل” الوحيد المُمكن للنداء.

ولقد واصل زعيم “المشروع” في دعواته التوحيدية، بل زاد وانسحب في انتخابات 2019، لفائدة المرشح عبد الكريم الزبيدي في خطوة عملية على “حسن نواياه” تجاه منافسيه من أبناء “العائلة”، وهو الذي دخل انتخابات 2018 البلدية ضمن قائمات ائتلافية موسعة. كل هذه الجهود منضافا إليها الأداء الإعلامي المُتميّز لصاحب المشروع، وصدق مناضليه لم تستطع ان تحوّل المشروع أيضا إلى حزب جذّاب يُغري عموم الجماهير أو النّخب والمثقفين بالالتفاف حوله. يتفق هؤلاء على مهارات محسن مرزوق وعلى ثقافته السياسية والعامة الواسعة وعلى ذكائه وعلى قدراته الاستثنائية مقارنة ببقية “اللاعبين”.

وشرع محسن مرزوق منذ مدّة غير قصيرة في تأثيث حواراته بمقترحات عملية وواقعية تتعلق بتغيير النظام الانتخابي والسياسي علاوة على برامج اقتصادييه واجتماعية قائمة على إجراءات واقعية من شأنها المساهمة في إصلاح الوضعية الصعبة التي تعرفها تونس، ولكن الإقبال على الانخراط بالحزب والالتحاق بــ “المشروع” ظل ضعيفا، وصاحبه رغم كل مجهوداته ومبادراته لم ينجح في تحويله الى قاطرة العائلة وبقي حزبا صغيرا رغم كل شيئ.

يوسف الشاهد .. إعادة البناء

دخل يوسف الشاهد الحُكم سنة 2014، كاتب دولة ووزيرا ثم تحوّل الى “الـــحاكم” سنة2016، وصبغ أكثر من غيره مرحلة الانتقال الديمقراطي في تونس. ومثّل علامة على إمكانية تجديد النّخبة السياسية التونسية. انطلق الشاهد مدعوما من الجميع، ومحمولا بآمال التونسيين في تجاوز “حُكم الهواة” وسياسة الغنيمة. ورغم المجهودات الكبيرة التي بذلها، ورغم النجاحات الاقتصادية والاجتماعية والإصلاحات الكبرى التي شرع فيها ونفّذ بعضها، فإن السياسة الاتصالية التي اتبعها واتبعتها حكومته كانت نتائجها كارثية، عليه وعلى فترة حُكمه. لقد استسلم يوسف الشاهد لهجومات خصومه، واستسلم “لمشورة مستشارين” بلا رؤيا ولا استراتجيا ولا معرفة حقيقية بواقع الساحة السياسية و بواقع البلاد والجهات. ثم كان تحيا تونس.

وشرع يوسف الشاهد في اعادة بناء الحزب، بما يعنيه ذلك من تصورات جديدة للهيكلة وللخط السياسي ولتوزيع المسؤوليات القيادية، إنها مبادرة جديدة في الحقيقة. لقد كان لتحيا تونس دور سلبي في مسيرة يوسف الشاهد، إذ كان يتصدر نوايا التصويت ويحظى بثقة تتجاوز الجميع أشهرا قليلة قبل الانتخابات، ومباشرة بعد الإعلان على تأسيس حزب تحيا تونس، شرع في الانحدار وبدأت الثقة فيه تتآكل تدريجيا. وزاد حزب تحيا تونس في توسيع دائرة الخصوم وراكم العداوات، رغم ان الشاهد لم يكن عمليا منخرطا في نشاطاته ولا مسؤولا عما يجري فيه. وزادت اختيارات الحزب في قائماته التشريعية وعجزه على صياغة مواقف سياسية واضحة في علاقة بالحكومة أو بالإسلام السياسي او باتحاد الشغل، او حتى ببقية “أحزاب وأبناء العائلة” في عزلة يوسف الشاهد.

ان التجربة التي اكتسبها الشاهد، وشبكة العلاقات الواسعة التي بناها داخليا وخارجيا، علاوة على النّضج الذي نمّته فيه الصراعات التي خاضها ضد جبهات مختلفة، تجعل منه لاعبا مهما في “العائلة”. ورغم انه لم يدع مطلقا انه يعمل على تجميعها فإنه يسعى بالضرورة الى ذلك ما دام حريصا على مواصلة العمل الحزبي وفي الاهتمام بالشأن العام، وتظل قدرته على التخلّص من عبء تحيا تونس إحدى شروط “الميلاد الجديد” فذلك سيسمح له بالتخلص من ارثه ومما انطبع في الأذهان عليه من كونه حزب السلطة، مع ما رافق ذلك من التحاق العديد من الانتهازيين و الوصوليين ومن تعلقت بهم “شبهات الفساد” بالحزب. فالشاهد يُمكنه فعليا الدفاع على حصيلة حُكمه في حكومته ولكنه لن يستطيع الدفاع على تحيا تونس الذي لم يستطع رغم الاتكاء على إمكانيات السلطة والإعلام ان يتحول إلى حزب جذاب للنخب والمثقفين بل ظل حزبا صغيرا له في الأذهان صورة مشوّهة.

مبادرات أخرى …

بادر مبروك كورشيد الوزير السابق والمناضل العروبي المعروف، منذ مدة رفقة مجموعة من الشخصيات الوطنية والشباب بفتح باب الحوارات والنقاش للرفع بمستوى النقاش السائد في البلاد نحو “تأسيس” ديناميكية وطنية كبيرة من شأنها خلق حالة سياسية جديدة على أساس وطني اجتماعي شعبي، تتمايز عن منظومات الرداءة التي سادت تونس منذ الثورة في كل المستويات، دستوريا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وقيما. ورغم ان المبادرة ظلت في مستوى “إعلان النوايا” فإن ما قدمه حولها النائب العياشي الزمال والسيد مبروك كورشيد يجعلها مبادرة جدية.

هذه المبادرة تلتقي في جوهرها السياسي والفكري مع بقية المبادرات الثلاث السابقة، إذ تدعو إلى “تجميع” التيارات الوطنية بقطع النظر على انتماءاتها السابقة، دستوريون وقوميون ويسار ونقابيون ومستقلون، وهي تتحرّك مثلهم تماما على الأرضية الوطنية وتنتقد منظومة الحكم وتدعو إلى تغييرها و لها تصورات عملية اقتصادية واجتماعية، وتُنادي بميثاق أخلاقي ناظم للحياة السياسية وتؤمن بكون الصراع ضد الإسلام السياسي يجب ان تتم إدارته وحله بالوسائل الديمقراطية وعبر صناديق الاقتراع.

الفرق الوحيد الذي لاحظناه يكمن في كون مبادرة “التيار الوطني” تتمسك بصرامة بالقطع مع “الرداءة” وتُعلي من قيمة الكفاءة في كل المستويات. فما يعيبه أصحابها على بقية الأحزاب والمبادرات هو استسهال التعاطي مع عديمي الخبرة وفاقدي الثقافة و فقيري القيم، فالأحزاب امتلأت بهؤلاء الانتهازيين مما دفع بالكثير من النّخب والمثقفين إلى النأي بأنفسهم على الاختلاط بهم، والتعاطي معهم. هذه المبادرة ما تزال مشروعا لا نعرف في الحقيقة نوعية الاستقبال الشعبي الذي ستعرفه.

عدا هؤلاء ثمة مبادرة ناجي جلول الوزير السابق التي تُعيد إنتاج نفس السرديات التي ذُكرت في المبادرات الأربع السابقة، ولم تستطع ان تتحول الى ظاهرة اجتماعية. كما ان حديثا يدور حول نية الوزير السابق السيد المهدي جمعة بإعلان مبادرة سياسية جديدة.

وفي كل الحالات فإن هذه المبادرات تظل جميعها ايجابية رغم ما تشكوه من “قصور” على التحوّل الى قوة سياسية جذابة ووازنة وخاصة جماهير قادرة على الفوز بالانتخابات. فعموم التونسيين حديثي عهد بالديمقراطية ومن أوكد واجبات النّخب الحزبية مساعدته على تجويد اختياراته وتسهيل الأمر عليهم. فكل هذه المبادرات وزعماؤها متشابهون، لا تُفرّق بينهم غير بعض الطبائع الشخصية و نوازع النفوس نحو القيادة و”المُلك”.

ونحسب ان لا احد منها قادر اليوم على التحوّل الى قوة اجتماعية كبيرة يُمكّنُها من خلق توازن مع النهضة يُبشّر بإمكانية الفوز عليها في الانتخابات، ليس ثمة من حلول سحرية أو ألاهية غير تقارب هذه المبادرات نحو اندماجها في مراحل لاحقة، ويُمكن إدارة “النزعات” داخلها عبر الانتخابات التمهيدية، مثلما يحصل في ارقى الديمقراطيات. هذه الحقائق قد لا تُعجبُ الكثيرين ولكنها حقائق الميدان.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Acıbadem evden eve nakliyat, Acıbadem Nakliyat
Bahçeşehir evden eve nakliyat, Bahçeşehir Nakliyat
Evden eve nakliyat, Nakliyat, İstanbul evden eve nakliyat, nakliyat firmaları, nakliye
Şehirler arası nakliyat, Şehirlerarası evden eve nakliyat
evden eve nakliyat ücretleri
evden eve nakliyat ücretleri
eşya depolama uluslararası evden eve nakliyat

istanbul izmir şehirler arası evden eve nakliyat

istanbul izmir evden eve nakliyat

istanbul bodrum evden eve nakliyat

istanbul fetihye evden eve nakliyat

bodrum evden eve nakliyat

istanbul izmir şehirler arası evden eve nakliyat

istanbul izmir evden eve nakliyat

istanbul bodrum evden eve nakliyat

istanbul fetihye evden eve nakliyat

bodrum evden eve nakliyat

uluslararası eşya taşımacılığı uluslararası eşya taşımacılığı eşya depolama yurtdışı kargo uluslararası evden eve nakliyat istanbul ev depolama ev eşyası depolama uluslararası ev taşıma uluslararası evden eve nakliyat uluslararası nakliyat
bursa escort gorukle escort
deneme bonusu deneme bonusu veren siteler
İstanbul İzmir nakliyat İstanbul İzmir evden eve nakliyat ümraniye evden eve nakliyat ümraniye nakliyat kağıthane evden eve nakliyat kağıthane nakliyat çekmeköy nakliyat çekmeköy evden eve nakliyat
deneme bonusu veren siteler deneme bonusu
ankara escort
akü servis akumyolda.comakücü akumyoldaakumyolda.comakumyolda.com akücü
ingilizceturkce.gen.tr
TranslateDict.com is a online platform that specializes in free translation, helping visitors to translate to English from a wide variety of languages.translatedicttranslatedict.com
Free Spanish to English translation services are available at spanishenglish.com to help you understand and communicate in both languages. spanishenglish.com
şehirler arası nakliyat manisa şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat profesyonel evden eve nakliyat ofis taşıma sigortalı evden eve nakliyat istanbul evden eve nakliyat
kazansana
Şehirler arası nakliyat
unblocked games io games
evden eve nakliyat fiyatları İstanbul evden eve nakliyat
evden eve nakliyat nakliye şirketi
Sarıyer Evden Eve Nakliyat Şişli Evden Eve Nakliyat İstanbul İzmir Nakliyat, İstanbul İzmir Evden Eve Nakliyat İstanbul İzmir Evden Eve Nakliyat Kağıthane Evden Eve Nakliyat Ümraniye Evden Eve Nakliyat Çekmeköy Evden Eve Nakliyat
https://www.fapjunk.com https://pornohit.net
https://www.fapjunk.com https://pornohit.net
Başakşehir Evden Eve Nakliyat Şişli Evden Eve Nakliyat Göztepe Evden Eve Nakliyat Bakırköy Evden Eve Nakliyat Sancaktepe Evden Eve Nakliyat Mecidiyeköy Evden Eve Nakliyat Fatih Evden Eve Nakliyat Bahçeşehir Evden Eve Nakliyat Esenler Evden Eve Nakliyat İstanbul Evden Eve Nakliyat
london escorts
şehirler arası nakliyat manisa şehirler arası nakliyat Çanakkale şehirler arası nakliyat Balıkesir şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat şehirler arası nakliyat Tuzcuoğlu nakliyat
evden eve nakliyat istanbul
istanbul evden eve nakliyat Eşya depolama Ev depolama
evden eve nakliyat
İzmir Şehirler Arası Nakliyat Manisa Şehirler Arası Nakliyat Çanakkale Şehirler Arası Nakliyat Balıkesir Şehirler Arası Nakliyat Şehirler Arası Nakliyat
Spanish to English translation is the process of converting written or spoken content from the Spanish language into the English language. With Spanish being one of the most widely spoken languages in the world, the need for accurate and efficient translation services is essential. Spanish to English translation plays a crucial role in various domains, including business, education, travel, literature, and more. Skilled translators proficient in both Spanish and English are required to ensure accurate and culturally appropriate translations. They must possess a deep understanding of both languages' grammar, syntax, idioms, and cultural nuances to convey the original meaning and intent of the source content effectively. Quality Spanish to English translation services help bridge the language barrier and facilitate effective communication between Spanish-speaking individuals and English-speaking audiences.spanishenglish.com
^ TOP