الجديد

مشاورات تشكيل الحكومة .. الحبيب الجمني يتحرك في حقل من "الألغام" !  

تونس- التونسيون
وسط حالة من “عدم القبول” والتشكيك، سواء لدي الأحزاب والمهتمين بالشأن العام، أو حتى لدى قطاع مهم من “الرأي العام المتابع”، يشرع اليوم رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجمني، في مشاورات تشكيل “حكومتنا العتيدة”، التي – لو كتب لها المرور – ستواجه أوضاع صعبة ومعقدة، تتمثل في ما يشبه الانهيار الاقتصادي فضلا عن انتظارات كبيرة، من قبل فئات واسعة وان منحت الطبقة السياسية فرصة أخيرة عبر الصندوق، فإنها مع ذلك تترصدها ولن تصبر عليها طويلا.
بالنظر الى غياب المقبولية السياسية والشعبية المريحة، لرئيس الحكومة المكلف ، الذي يحسب على حركة النهضة، برغم تمسكه بكونه مستقل عنها وعن كل الأحزاب السياسية، فان مهمة الرجل ليست باليسيرة،  وأنه سيجد نفسه يتحرك في حقل من الألغام، وبالتالي فان عليه ابتداع منهجية مختلفة في التعاطي مع هذا الوضع المعقد، يرى المعارضين لتكليفه أنه تعوزه القدرة على ذلك، ولعل هذا ما يفسر الرفض الذي صاحب الاعلان عن تكليفه، والذي يرجع بالأساس وفي المقام الأول لضعف السيرة الذاتية للرجل، وأيضا لافتقاده التجربة في ادارة الملفات “الحارقة” ، خاصة ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي. فكيف سيواجه الجمني هذا الكم الهائل من الضغوطات ؟
برغم الرفض المزدوج من النهضة ومن الرئيس المكلف، فان الحبيب الجمني هو من أبناء حركة النهضة، وهو ليس شخصية مستقلة مثلما روج لذلك النهضويين، وهناك أكثر من دليل وقرينة تؤكد ذلك، وكان على الحركة أن لا تلجأ للتقية في تقديم الجمني وتعلن أنه من حزامها الحركي وليس التنظيمي،  فالرجل من المقربين من حركة النهضة، وهو الذي قدمته بصفته النهضوية ليشغل خطة كاتب دولة في حكومة حمادي الجبالي، بعد وصول الاسلاميين للحكم اثر انتخابات أكتوبر 2011.
برأي فان الاعلان عن “الهوية السياسية” صراحة ودون مواربة كان سيسهل الأمر على الحبيب الجملي في التعاطي مع الفرقاء السياسيين والمنظمات الوطنية، خصوصا وأنه ليس من قيادات الصف الأول للنهضة وبالتالي ليست له “حسابات” مع جل الفاعلين في المشهد السياسي والاجتماعي، وهو موقع أيضا يجعله أيضا في “تحرر” نسبي من ضغوطات التنظيم ومؤسسات الحركة وقياداتها المؤثرة. ومن هنا فان اخفاء “نهضوية” “سي الجمني” تعد بداية غير موفقة في مناخ ملبس بسبب أزمة ثقة بين الفرقاء.
ولعل ما لم يتم استساغته هو اصرار الرئيس المكلف على “استقلاليته” السياسية والحزبية، التي هي في الواقع ومثلما بينا مجانبة للحقيقة، وهنا عاد الرجل في لقاء مع اذاعة “موزاييك أف أم”، أمس الأحد 17 نوفمبر 2019، للتأكيد على “أنه مستقل ولم يكن له أي إنتماء حزبي في الماضي ولن يكون له في المستقبل”، وفق تعبيره.
وأكد أيضا ” أنه لم تكن له أي علاقة بحركة النهضة”، موضحا أن “علاقته بها إقتصرت على الإتصال به بعد 2011 خلال حكومة حمادي الجبالي، لتكليفه بكتابة الدولة في وزارة الفلاحة”، قائلا ”فريق من النهضة إتصل به وأعلمني أنه قد شُهد لي بالكفاءة في الوزارة فتم إختياري لذلك المنصب”. مشددا ”سأتعامل مع كل الأحزاب بما فيها النهضة، بنفس المسافة والطريقة… لا تمييز بين المنتمين لأحزاب اخرى غير النهضة والكفاءات غير المنتمية لأي حزب”.. وشدد الجملي على أنه ”قادر على قول لا للنهضة” ، قائلا ”هذا شرطي حين أبلغت بنيتهم تكليفي، اشترطت حرية اختيار الحكومة وأعضائها”.
دون صب الماء على الزيت أكثر، في علاقة بانتماء الرجل السياسي، نشدد على أنه ومن خلال تصريحاته الأولية، أبدى وعيا بأهمية الابقاء على نفس المسافة من كل القوى السياسية، وهذا ما ستؤكده الساعات القليلة القادمة، بعد انطلاق عملية التشاور والتفاوض، مع الكتل البرلمانية والأحزاب السياسية، التي سيعرض عليها المشاركة في حكومته. وأن لا يكون “واسطة” بين شورى النهضة وبقية المكونات السياسية، وهي تخوفات لا يخفيها الكثير من المتابعين من داخل الأحزاب ومن خارجها.
في انتظار مزيد توضح منهجية التفاوض في تشكيل الحكومة القادمة، فان رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي، وفي لقاءاته الاعلامية التي تلت ترشيحه قد كشف عن ملامح من هذه المنهجية، مشيرا الى أن المشاورات تنطلق اليوم الاثنين 18 نوفمبر 2019 و انها ستشمل كل الاحزاب دون استثناء الا من يستثني نفسه وانها ستتم حسب ترتيب الأحزاب وفق عدد المقاعد المتحصلة عليها في مجلس نواب الشعب.
كما كشف الرجل على أنه سيعطي الأولوية في العملية التشاورية الى البرنامج لا الى البعد السياسي خصوصا المتمثل في “المحاصصة” الحزبية لمناب الأحزاب في التشكيلة الحكومية، وهو هنا في انسجام مع الحركة التي كلفته – وهذا طبيعي ومفهوم – التي سارعت بمد الأحزاب والراي العام بمشروع وثيقة اقترحت على الأحزاب تطويرها لتكون برنامج تعاقدي للحكومة المقبلة.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الحكومة المكلف على “انه سيلتقي الخبراء والكفاءات في مرحلة أولى وأنه سيعرض على ممثلي الاحزاب تقديم خبرائها في مختلف المجالات اقتراحاتهم وتشكيل لجنة قال انها ستناقش برنامج عمل الحكومة المقترح من قبل حركة النهضة للتوصل الى برنامج مشترك”.
وكشف على انه يتجه نحو التقليص في عدد الوزارات وإعادة هيكلة الحكومة وان التعيين سيكون استنادا الى مقياسي النزاهة والكفاءة مؤكدا ان حكومته ستكون حكومة كفاءات. وشدد أيضا على انه اشترط على النهضة منحه حرية تشكيل الحكومة وعلى ان رئيسها راشد الغنوشي قبل بشرطه لافتا الى انه سيحافظ على استقلاليته السياسية وإلى انه سيقول “لا” في صورة تناقض الطلب مع مصلحة الدولة.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP