الجديد

تحيا تونس .. الاختيارات القاتلة

خديجة زروق
يستعد يوسف الشاهد و وزراؤه لمغادرة الحُكم، و لئن يبدو الأمر في ظاهره عاديا في نظام ديمقراطي، فبعد كل انتخابات يُغادر الخاسرون الحُكم و يسلمونه لغيرهم في انتظار انتخابات أخرى قد تُعيدهم إليه، فإن الأمر في تونس يتجاوز ذلك هذه المرّة. إذ يبدو ان مغادرة يوسف الشاهد و حزبه أروقة الُحكم توشك أن تكون نهائية. فحزب تحيا تونس و”زعيمه” يوسف الشاهد هما ظاهرتان سياسيتان خلقهما الحُكم، و لا تاريخ لهما خارج السلطة. و ثمة أسئلة كثيرة ووجيهة حول مدى قدرتهما على التواصل دون المشاركة في السلطة.
تحيا…. حزب السلطة
لقد تشكّل حزب تحيا تونس حزبا للسلطة. بل انه حزب لا مبررات لوجوده في الحقيقة غير الدفاع على يوسف الشاهد، و تأسس لاستدامة سلطته، و التصدي لمحاولات خصوم يوسف الشاهد في حزبه القديم “نداء تونس” الإطاحة به.
و جمع لذلك كل عاشق للسلطة و منافعها، و كل مستفيد منها، و رجال أعمال و أنصار ووزراء تمردوا على أحزابهم و خيّروا البقاء في الحكم رفقة يوسف الشاهد على خيارات أحزابهم في المعارضة (وزراء آفاق و المسار و الجمهوري)، و هو الأمر الذي جعل حركة تحيا تونس تتأسس في الحقيقة على “جُثث” الأحزاب الديمقراطية”. و جعل من الكثير من قياداته “ارستقراطية” حُكم أصابها المللُ من المعارضة، و نحن نستبعد حقيقة عودتها من جديد الى ممارسة دور المعارضة من جديد.
كما ضم تحيا تونس كتلة كبيرة من النواب ليس لها تاريخا نضاليا خارج مجلس النواب. فنواب الحركة اليوم في أغلبهم رجال/ نساء أعمال لا يتناسب انتماؤهم الطبقي و الاجتماعي مع وظيفة النضال الذي تفرضه المعارضة.
فأغلب النواب الحاليين لحركة تحيا تونس رجال أعمال، تنهض مصالحهم على مدى اقترابهم من السلطة، ولا يُمكنهم ممارسة دور المعارضة. بل إننا نعتقد أن أغلبهم لن يستجيب لاختيارات الحزب في حال اختار الاصطفاف في معسكر المعارضة و الخروج في السلطة، لان الحزب لا يمتلك أصلا  وسائل الإبقاء عليهم في صفوفه.
استقطب تحيا تونس  شريحة واسعة ممن تجلبهم السلطة و تُغريهم منافع الحُكم، و فيهم عدد كبير ممن يتغيّرون مع كل حاكم و يقفون أمام كل موائد السلطة، و لا نعتقد ان هؤلاء سيروقهم كثيرا اختيار تحيا تونس لصف المعارضة.
ان شريحة كبيرة من قيادات الحزب و كوادره و إطاراته، الفت الحُكم و اجتمعت في فضاءاته و استفادت بدرجات متفاوتة من “غنائمه” و ليس لها كثير دراية بطبيعة حياة المعارضة و ما تستدعيه من نضالية و اندفاع و خطاب و مبدئية و خاصة من تضحيات. و لذلك يبدو لنا اختيار المعارضة لتحيا تونس اختيارا محفوفا بالمخاطر، و قد ينتهي بتفرّق الجمع حول يوسف الشاهد، و يُنهي الحزب لانتهاء مبررات وجوده.
تحيا تونس…. مشروع بالقوة
منح التاريخ ليوسف الشاهد فرصة نادرة، قد لا تتكرّر له و لا لغيره في الأمد المنظور. و دعمتها نتائج الانتخابات التشريعية و الرئاسية الأخيرة. فيوسف الشاهد و البعض ممن التف حوله في الحزب يؤمنون حقيقة بقطع النظر على السلطة و الحكم و منافعهما بان تحيا تونس هو مشروع حزب سياسي جامع و شامل، يستأنف الحركة الإصلاحية الوطنية التونسية.
و أمام هؤلاء – و يوسف في طليعتهم – إمكانية حقيقية لبناء هذا التنظيم، بعد التخفّف من قوافل الانتهازيين و عاشقي السلطة.
و يُمكن ليوسف الشاهد و المؤمنين بهذا المشروع اليوم العمل بهدوء و دون ضغوطات الحكم و أطماع الانتهازيين، بناء حزب سياسي يملأ الفراغ الكبير الذي تركه انهيار حزب نداء تونس، و تجميع شتات العائلة الإصلاحية الوطنية.
و هي الفرضية الوحيدة التي ستسمح لتحيا تونس بالبقاء في الساحة في صورة اختياره المعارضة، فرضية استبدال منافع الحكم الآنية، بمشروع مستقبلي يخلق أملا حقيقيا.
فرضيات اليوم: خياران قاتلان
مما تقدم يجد تحيا تونس نفسه اليوم أمام فرضيتين أحلاهما قاتل. الفرضية الأولى هي فرضية المعارضة و هي فرضية محفوفة بالمخاطر، إذ ليس للحزب تجربة خارج السلطة و ليست له القدرة و لا المشروع و لا “الادبيات” و لا مبررات الوجود اصلا. هذا علاوة على ان فضاء المعارضة يشكو “اختناقا” و يحتل آخرون لهم التجربة و الدربة فضاءاته.
أي معارضة يُمكن أن يكونها تحيا تونس؟
انه سؤال مركزي سيجد يوسف الشاهد و الفريق الذي سيختار البقاء معه أنفسهم مجبرون على الإجابة عليه.أي معارضة؟ و أي خطاب يُناسبها؟ و خاصة أي تحالفات سيجد الحزب نفسه مجبرا على اختيارها إن تموقع في المعارضة؟.
فالمعارضة اليوم تكاد تكون قد تشكلت،وانتهى المشهد. معارضة النهضة احتلتها عبير موسى، ومعارضة المنظومة في كليتها يحتلها حمه الهمامي ومعارضة الفساد يُهيمن عليها – إعلاميا على الأقل – التيار الديمقراطي وحركة النهضة ومعارضة الجميع يُهيمن عليها ائتلاف الكرامة، و لا يُمكننا حقيقة أن نتصور الموقع الذي يُمكن أن يحتله حزب تحيا تونس، و لا أي خطاب يُمكن ان يطوّره.
قد يدّعي بعض قيادات الحزب أن المعارضة ستكون “مسؤولة” قائمة على الاستفادة من تجربة الحكم، و ان حركة تحيا تونس ستكون صوت العقل والحكمة في إطار الضجيج الكبير الذي تخلقه المعارضات “العدمية” اختيار لا نعتقد فعلا في امكانية ان يكون مفيدا، فما الذي كان يمنع تحيا تونس و رئيسه و قياداته من تحقيق هذه الأهداف العقلانية عندما كانوا في الحكم؟؟ و ما مدى قدرة تحيا تونس على تطوير هذا الخطاب؟؟ ثم هل ان صوت العقل و الحكمة لهما مستمعون في مرحلة يُهيمن عليها الخطاب الشعبوي و العدمي؟؟
هذا كلّه ينضاف الى ان اختيار المعارضة سيجعل حزب تحيا تونس في نفس الخندق مع قلب تونس، مع ما سيخلقه ذلك من مشاكل داخل الحزب و تأثيره على صورته. على ما في التواجد في المعارضة، معارضة النهضة و مشتقاتها و معارضة الشعبوية من منافع قد تجعل من تحيا تونس قاطرة الاحزاب الوطنية و الديمقراطية.
السلطة، اي موقع و اية مشاركة؟
انه سؤال لا يقل خطورة على السؤال السابق إذ سيجد يوسف الشاهد نفسه و فريقه في موقع آخر مُختلف مُغاير في السلطة. فقد كان يوسف الشاهد الحاكم بأمره، وحزبه “حاكما” و قياداته وزراء و مستشارون، صورة “حقا و باطلا” لن تتكرّر أبدا، فمشاركة الحزب ان تمت ستكون من موقع الضعف، فكتلة الحزب لا تسمح له بان يكون فاعلا او على الاقل في مقدمة الفريق الحاكم سيكون مكملا للائتلاف.
و سيجعل الحزب مجتمعا مع احزاب تختلف عليه في كل شيء و لن يسمح له بالتطور خارج الحكم، و سيحكم له بان يظل حزبا صغيرا. فرغم ما يُشاع اليوم على لقاءات بين تحيا تونس و التيار الديمقراطي و حركة الشعب، و رغم دفع تيار كبير في الحزب لهذا التقارب، فانه لقاء قاتل لا يقل خطورة على اختيار المعارضة.
فلا جامع مشترك بين تحيا تونس و التيار الديمقراطي و حركة الشعب، و اقتراب تحيا منهما سيكون اقترابا قاتلا. فتيحا تونس هو مشروع قائم على تثمين فكرة الدولة الوطنية و يعمل على إصلاحها واستكمال مشروعها الإصلاحي العصري، و الحال ان التيار الدمقراطي حزب بلا هوية، و هو تجمّع عائلي حول شعارات فضفاضة تتغنى بالنزاهة و مقاومة الفساد و تُعادي في جوهرها الإدارة التونسية أيقونة الدولة.
أما حركة الشعب فهي حركة تعتبر تونس قطرا من إقليم و امة اكبر منهما، و لا تؤمن بالدولة التونسية ناهيك على مشروعها الوطني.
ان تجربة الحُكم كان لها تأثير كبير على الحركة و على صورتها – حليف النهضة – و كانت محدد في النتائج الكارثية التي حصلت عليها في الانتخابات.
وضعية تحيا تونس، وضعية شائكة فللمعارضة ثمنها و للدخول في الحكم مخاطره. الالتقاء مع قلب تونس غير مريح، و الاشتراك مع النهضة و التيار و الشعب لا يقل عنه تعبا. ظاهر الأمر يتعلق بالحكم و المعارضة و باطنه يتعلق بهوية تحيا تونس، هل هو حزب و مشروع سياسي و حضاري أم هو مجرد التقاء لبعض الإرادات حول السلطة و منافعها.
هو إحراج يُخفي وراءه أمرا آخر. يُخفي وراءه مصالح و قوى متنازعة، لبعضها منافع في اختيار المعارضة، و لبعضها الآخر مصالح في اختيار الحُكم.
تنازع بين تيارين كبيرين لا ندري حقيقة كيف يُمكن ليوسف الشاهد أن يجمع بينهما. لأنه المؤهل الوحيد بما راكمه من تجربة على الحسم في الأمر خاصة و انه يحظى بشبه إجماع عند مناضلي الحزب و قياداته الجهوية و المحلية.

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP