الجديد

وسط شيوع الانتفاضات مركز "كارنجي" يطرح السؤال: إلى أين يتجه العالم العربي في العقد المقبل؟

في اطار مطالعة دورية لخبراء مركز كارنجي حول الشرق الأوسط حول قضايا تتعلق بسياسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ومسائل الأمن، حاول باحثي المركز الاجابة عن السؤال التالي: وسط شيوع الانتفاضات: إلى أين يتجه العالم العربي في العقد المقبل؟.

في ما يلي أجوبة عدد من باحثي المركز:

يوجين روغان | مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية سانت أنطوني في جامعة أكسفورد، ومؤلّف كتاب بعنوان « العرب: من الفتوحات العثمانية إلى الحاضر » (مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2009)، وكتاب « سقوط العثمانيين: الحرب العظمى في الشرق الأوسط » (منتدى العلاقات العربية والدولية، 2015)
في العام 2011، انقسمت الدول العربية إلى ثلاث فئات: الجمهوريات التي انتفض شعبها للمطالبة بتغيير النظام وكانت نتيجتها الربيع العربي؛ والأنظمة الملكية التي قاومت، باستثناء البحرين، الدعوة إلى التمرّد الشعبي؛ وتلك التي لها تاريخ حديث من الحرب الأهلية، والتي تردّدت في الانضمام إلى الانتفاضات. لكنها في العام 2019 لم تعد مترددة. فالسودان والجزائر ولبنان والعراق تعرف حقّ المعرفة الثمن الذي يترافق مع الاضطرابات المدنية. لا بل هي وصلت إلى نقطة الانفجار مع أنظمة فاسدة، ومع انعدام مساواة يفصل بين فئات لا تنفكّ تتزايد من الذين لا يملكون شيئاً وبين حفنة تملك كل شيء.
فجأةً، لم يعد يبدو أن الربيع العربي انتهى أو فشل، بل يظهر أن ما بدأ في العام 2011 مستمر. وعلى الرغم من وجود انتكاسات وانقطاعات، لكنه مع ذلك لايزال مستمراً. تطالب الشعوب العربية حكوماتها، من دون ذكر الديمقراطية على الإطلاق، بالخضوع إلى المساءلة أمام الشعب، والعدالة الاجتماعية، وترفض السلطوية وحكم القلّة. كانت هذه الشعوب ثابتة في مواقفها بشكل ملحوظ خلال العقد الماضي، وشُجاعة بشكل كبير في السعي إلى تحقيق مطالبها المشروعة.
نأمل أن تكون هذه الشعوب قد تعلّمت من الدروس المستقاة من العام 2011، وألا تكرّر الأخطاء التي قذفت المكاسب التي تحققت بصعوبة في الثورة الشعبية إلى حضن قوى الثورة المضادة. هنا لا بدّ من التساؤل إلى أي حدّ يمكن للأنظمة الملكية مقاومة إرادة الشعب لتحقيق الحوكمة الرشيدة.
وفي الختام، كل الأدلة تشير إلى أن العالم العربي يختبر تغييراً جذرياً، ويَعِدُ العقد المقبل بمزيد من التحديات أمام النظم القائمة.
عمرو حمزاوي | باحث أول في مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في معهد فريمان سبوغلي للدراسات الدولية في جامعة ستانفورد
انطفأت تدريجياً أصوات المطالب الشعبية الرامية إلى إحداث تغيير ديمقراطي وإرساء حكومات خاضعة إلى المساءلة والمحاسبة، بعد النتائج المتواضعة التي حقّقتها الانتفاضات الديمقراطية التي عمّت أرجاء العالم العربي في العام 2011. وبحلول العام 2013، بدا معظم المواطنين العرب – الذين إما فقدوا زخم التظاهر أو خاب أملهم نتيجة الحروب الأهلية والحملات القمعية – مستعدين للقبول مجدّداً بالصفقة السلطوية مع حكوماتهم: أي الغذاء والأمن مقابل الإذعان للحكّام غير الخاضعين إلى المساءلة.
لضمان عدم تجدّد موجات الربيع العربي كما في العام 2011، عمدت الحكومات العربية، باستثناء تونس، إلى سنّ قوانين متشدّدة لتقييد حريات مواطنيها. فقد وسّعت صلاحيات الأجهزة الأمنية لضبط المجموعات المعارضة والناشطين المؤيدين للديمقراطية. كما خصّصت الحكومات المزيد من الموارد الشحيحة أصلاً للأفراد الموالين لها الذين يتبوّأون مناصب عليا في الجهاز البيروقراطي الفاسد، ولرجال الأعمال المحسوبين عليها. وقد استخدمت الحكومات أيضاً ترساناتها الإعلامية الواسعة للترويج لنسق من عبادة شخصية الحاكم – سواء كان رئيساً أو ملكاً أو ولياً للعهد – الذي جرى تصويره على أنه المخلّص الوحيد للبلاد.
لكن بين نهاية العام 2018 والأشهر الأخيرة من العام 2019، بدأت الحكومات العربية تواجه تحديات شعبية غير متوقّعة قوّضت آمالها بإحلال مشروع السلام الأوتوقراطي (Pax Autocratia). فقد نزل مواطنو الدول التي لم تشكّل جزءاً من انتفاضات العام 2011 إلى الشوارع مطالبين بالتغيير السياسي، واندلعت تظاهرات في كلٍّ من السودان والجزائر والعراق ولبنان نتيجة الصعوبات الاقتصادية ونظرة المواطنين السلبية تجاه التزام حكوماتهم بتحسين مستوى العيش ووقف للفساد. وفيما ركّزت مطالب التغيير السياسي في السودان والجزائر على إنهاء عهد الحكومات السلطوية التي يسيطر عليها الجيش في ظل التدهور الاقتصادي، والفساد المستشري، وتردّي الخدمات العامة، وانتهاكات حقوق الإنسان، رمت مطالب التغيير في العراق ولبنان إلى تجاوز السياسات الطائفية. ويُشار إلى أن الحكومات السلطوية والطائفية في البلدان الأربعة لن تستسلم بسهولة، وسيواصل التفاعل بينها وبين المواطنين المتظاهرين رسم معالم الوقائع العربية في العقد المقبل.
انتصار فقير | باحثة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط ورئيسة تحرير « صدى »
منذ العام 2011، لم تترك مروحة التحوّلات التي هزّت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مجالاً يُذكر للاستقرار. فمفاهيم الحوكمة والمشاركة الشعبية والتعددية، التي تُعتبر جوهر العلاقة التي تربط المواطنين بالهياكل الحاكمة، لا تزال قيد التفاوض والنقاش.
في لبنان والعراق، يتحدّى المواطنون الهياكل السياسية القائمة على الطائفية التي ارتكزت عليها حكومتا البلدين للمحافظة على السلطة والاستقرار (النسبي). في أماكن أخرى من المنطقة، تظهر هذه المفاهيم الأكثر تحدياً بشكل مختلف: كانتخاب قادة غير تقليديين وربما متمرّدين، وتوسّع الحركات الاحتجاجية على نحو مطّرد، وازدياد نسبة الهجرة، وحتى اندلاع صراعات وأعمال عنف. وتُعتبر الرغبة في إسقاط الوضع القائم وإعادة تصوّر الأنظمة السياسية والأسس التي تقوم عليها الأمم بحدّ ذاتها جزءاً من توجّه عالمي. هذه فترات تحمل في طياتها وعوداً وآمالاً في المنطقة، حتى لو كان الخوف لايزال يُعشعش في أرجائها.
أمل بوبكير | باحثة في كلية الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية، كليّة الدراسات المتقدّمة في العلوم الاجتماعية، في باريس
ما يُسمّى راهناً الطبعة الثانية من الربيع العربي هو في الواقع تكملة لتراكم تاريخي لمقاربات ترمي إلى معارضة قدرة السلطوية على البقاء والاستمرار، والتي حافظت على نفسها من خلال إجراء انتخابات صورية وإعادة توزيع الموارد بشكل زبائني. وبدلاً من النظر إلى ما يجري على أنه مجرّد مجهود يرمي إلى التخلّص من الحكّام الدكتاتوريين وترقية الدمقرطة على جناح السرعة، كما في النسخة الأولى من الربيع العربي، على الانتفاضات الجارية أن تلفت الانتباه أكثر إلى الجهود التي تبذلها الشعوب العربية لاستعادة السيطرة على آليات الحوكمة. باختصار، يسعى الناس إلى الفصل بين النخبة الحاكمة وبين الدولة. لذا، سينصبّ اهتمامنا في العقد المقبل على إيضاح مكامن الإبهام بين الاستخدامات الرسمية وغير الرسمية لمفهوم الدولة.
وهذا يعني، من بين جملة ما يعني، الضغط على الجيش، أو على المجموعات الطائفية في بعض الحالات، للتوقّف عن ممارسة الحكم من خلال التلطّي خلف رؤساء دُمى والاستهزاء بالعدالة المدنية. ويعني هذا أيضاً الطلب من الأنظمة الملكية التصرّف كحكّام عادلين، وليس كمشاركين في الألعاب السياسية والاقتصادية، وكذلك ابتكار آليات تفاوض جديدة واستبدال أحزاب المعارضة التي يعزّز انفصالها عن الشعب مركزية النخبة الحاكمة. كما يعني ذلك أخيراً التصدّي لحقيقة أن الممارسات الاقتصادية غير الرسمية تصبّ في مصلحة احتكارات القادة وليس في صالح الاقتصاديات المنتجة.
لكن الصعوبة في التغلّب على استيلاء الأنظمة غير الرسمي على الدولة من خلال الوسائل الرسمية الفاسدة التي يمتلكون – على غرار البرلمان والعمليات الانتخابية والأحزاب السياسية – قد تدفع المجتمعات العربية على الأرجح إلى مواصلة الضغط على هؤلاء المسؤولين في السلطة من خلال احتجاجات شعبية غير مصرّح بها، ومقاومة البيروقراطيات الجائرة وانتشار النقاشات السياسية المحلية. وعلى أي حال، يبدو أنه لا مناص من التمزّق، على الرغم من أن المحصّلات لا تزال في حكم الغيب.

 

Comments

Be the first to comment on this article

Laisser un commentaire

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *

^ TOP