الجديد

انتخابات ديسمبر 2022 .. “الشعب يريد” الأفضل !

منذر بالضيافي

نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية، التي تمت السبت 17 ديسمبر 2022، خاصة في ما يتعلق بنسبة المشاركة الشعبية الضعيفة، التي لم تتجاوز ال 12 بالمائة، أضعفت الرئيس قيس سعيد، الذي أراد أن يكون هذا الاستحقاق، بمثابة استفتاء على شعبيته وشرعيته.

لكن على خلاف ما ذهبت اليه غالبية  المعارضة، التي اعتبرت العزوف أو المقاطعة الشعبية الواسعة بمثابة انتصار لها، فان نتائج الانتخابات على أهميتها من جهة تداعياتها على مستقبل حكم الرئيس سعيد في الداخل وأيضا في الخارج، فإنها لم ترتق الى المبالغة بكونها تعد اعلان عن سحب الثقة و الوكالة منه.

تعد نتائج الانتخابات الأخيرة في دورها الأول، بمثابة “ورقة” مهمة بيد المعارضة في صراعها مع قرطاج، الا أنها مع ذلك لم تقوي هذه المعارضة، أو تعيدها في المشهد، وهي التي تعاني من التشتت والانقسام، ومن رفض مجتمعي واسع لها هي أيضا.

و هي معارضة لا يتعاطى معها لا المجتمع و لا النخب ولا طذلك المراقبين وراء الحدود، على أنها “بديل” لحكم الرئيس قيس سعيد، ليكون بذلك  “زلزال” 17 ديسمبر ، بمثابة اعلان رفض مجتمعي للطبقة السياسية برمتها، حكما ومعارضة، التي عجزت عن تأمين انتظارات التونسيين.

و أعطت الأولوية للصراع حول السلطة، عوض الاهتمام بتدبير شؤون الناس، و برز ذلك من خلال تواصل الانهيار الاقتصادي، الذي ضاعف من معاناة الناس، نتيجة ارتفاع معدلات التضخم والأسعار، وتردي الخدمات الأساسية في الصحة والتعليم والبيئة، ما جعل المجتمع في قطيعة مع “الطبقة السياسية” ( الأحزاب خاصة ) ، وهو ما ترجمته احصائيات و أرقام انتخابات ديسمبر الجاري، التي عبرت عن رسالة واضحة للسياسيين جميعهم ودون استثناء، مفادها أن “الشعب” قرر معاقبة حكامه ومعارضيه، و أن “الشعب يريد” ما هو أفضل.

نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية، التي تمت السبت 17 ديسمبر 2022، خاصة في ما يتعلق بنسبة المشاركة الشعبية الضعيفة، التي لم تتجاوز ال 12 بالمائة، أضعفت الرئيس قيس سعيد، الذي أراد أن يكون هذا الاستحقاق، بمثابة استفتاء على شعبيته وشرعيته.

مثلما كان منتظرا فان الاستحقاق الانتخابي، تحول الى “مأزق” لا الى “فرصة” – على الأقل –  للحد من المنسوب المرتفع للأزمة السياسية، التي أصبحت بعد الانتخابات أكثر تعقيدا مما كانت عليه.

في تزامن مع تواصل بل تعمق الأزمة الاقتصادية، الغير مسبوقة في تاريخ تونس المعاصر، عجزت السلطة الحاكمة لحد الأن عن الحد منها، وهو ما أكده قانون المالية الذي تم الافراج عنه منذ يومين.

ليتحول – هو أيضا –  ( قانون المالية ) الى مجال للصراع بين الحكم ليس مع المعارضة التقليدية فقط، بل أيضا مع “أرباب” العمل والمهنيين، في قطاعات مختلفة مثل المحاماة الذين هددوا “بالعصيان الجبائي”، فضلا عن رفض وتهديد بالتصعيد من قبل المنظمة الشغيلة ( الاتحاد العام التونسي للشغل).

تمدد الأزمة السياسية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، فرض على السلطة التنفيذية اقرار تدابير تضمنها  قانون المالية 2023 ،  يتوقع أن تزيد في تعكير الأوضاع في البلاد. فماهي السيناريوهات التي يمكن أن سيسلكها الرئيس قيس سعيد؟

السيناريو الأول: 

محاولة التفاعل الايجابي مع تداعيات نتائج الدور الأول من الانتخابات التشريعية، واستباق التصعيد السياسي والاجتماعي على اجراءات قانون المالية، وما خلفه كلاهما من اهتزاز لشعبية و شرعية قصر قرطاج، عبر تراجع الرئيس سعيد خطوة للوراء، من خلال تشكيل حكومة كفاءات اقتصادية، وهو مطلب تتداعى اليه العديد من الأطراف، وهو أيضا قرار من شأنه – لو حصل – أن “يخفف” علي الرئيس سعيد، وقع وحدة الازمة في الداخل، ويفتح له اختراق خارجي لدى الدول والهيئات المالية الدولية ( صندوق النقد الدولي).

وهو أيضا سيناريو – لو تحقق – سيسمح بوجود “انفتاح سياسي” في الداخل، ويعطي مقبولية دولية في الخارج، من شأنها أن تساعد على فتح مجالات التعاون والشراكة والقروض.

كما أن من مزايا هذا السيناريو، الذي يستبعد العديد من المتابعين للشأن التونسي و خاصة لأداء الرئيس سعيد حصوله، التخفيف من  الانهيار الاقتصادي الذي اصبح يهدد “بتوتر اجتماعي”، بعد ارتفاع معدلات التضخم و الاسعار، وارتفاع منسوب الفقر والحاجة ،وهو الذي يفسر القطيعة مع الطبقة الحاكمة التي اكدتها نتائج الانتخابات الأخيرة، التي ترتقي لإعلان “غضب” على المسار الرئاسي.

السيناريو الثاني:

التمادي في “حالة الانكار”، وفي ادارة البلاد بنفس اسلوب حكم ما بعد 25 جويلية 2021، الذي هو أسلوب “حكم فردي”، يلاقي معارضة كبيرة في الداخل، و كذلك من قبل شركاء تونس في الخارج، الذين يشددون على ضرورة العودة الى “التشاركية” في ادارة البلاد.

ان بقاء الاوضاع كما هي عليه، عبر الاستمرار في نفس أسلوب ومنهجية الحكم، ستجعل قدرة النظام على ضمان شروط البقاء والاستمرار والصمود تضعف، خاصة في ظل اوضاع اقتصادية صعبة لا يمكن الخروج منها، الا باستقرار داخلي يرتقي لوحدة وطنية، و بدعم دولي كبير وسخي يرتقي “لمخطط مارشال دولي”.

ان بقاء الاوضاع كما هي عليه، عبر الاستمرار في نفس أسلوب ومنهجية الحكم، ستجعل قدرة النظام على ضمان شروط البقاء والاستمرار والصمود تضعف، خاصة في ظل اوضاع اقتصادية صعبة لا يمكن الخروج منها، الا باستقرار داخلي يرتقي لوحدة وطنية، و بدعم دولي كبير وسخي يرتقي “لمخطط مارشال دولي”

كشفت انتخابات ديسمبر 2022 ، التي عرفت نسبة مقاطعة شعبية واسعة،  عن أن أولوية التونسيين ( المجتمع )، ليست هي ذاتها أولوية السياسيين حكما ومعارضة، فالتونسي اليوم وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة، أصبح مسكونا بتأمين حاجياته الأساسية، و بوضع سمته لامبالاة لافتة و متصاعدة في الاهتمام بالشأن العام، في المقابل يستمر اهتمام “الطبقة السياسية” بالصراع حول السلطة، جهة تبحث عن “التمكين” ، وجهة أخرى تلهث وراء استعادة “حكم مفقود”.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    ^ TOP