الجديد

تونس اليوم .. وباء الكورونا وحرب الرؤساء !

عبد الواحد اليحياوي

من صدر الى صدر ،ومن يد الى يد، إنتقل فيروس الكورونا، على مدى أميال من الصين الى أوروبا، ثم الى بقية دول العالم ، متحولا الى جائحة كمظهر جديد للعولمة، حيث لا مسافات في المرض بين الإنسان والانسان.

كغيرها من الدول، عرفت تونس بدورها زمن الكورونا بكل تداعياته ،النفسية والصحية والاقتصادية، مع تقاطع مع زمن سياسي اصابته جراح الانتخابات الاخيرة، بتشظي مؤسسات الحكم.

تحتاج حرب الكورونا مثل كل حرب الى جنرالات لقيادة المعارك، ولكن تونس تبدو حتى الآن دون قيادة حقيقية، سوى ما يبذله وزير الصحة وبعض إطارات وزارته.

في حين تعمقت الخلافات السياسية بين مكونات منظومة الحكم ، بل ان حرب الكورونا اصبحت خلفية لصراع مرير بينها، وخاصة بين رئيس الدولة قيس سعيد و رئيس البرلمان راشد الغنوشي.

يعرف الجميع ان معركة الهيمنة على القرار السياسي، بدأت منذ وصل الغنوشي الى رئاسة البرلمان ،فهو يعتقد ان البرلمان هو مركز القرار في النظام السياسي التونسي، وطبيعي ان يمثل هو رمز هذه الهيمنة وصاحب اليد الطولى في الساحة السياسية.

اما قيس سعيد الذي لا ينظر بعين الرضا للنظام السياسي الحالي برمته، فانه يريد بناء نظام سياسي جديد بنفس فصول الدستور ، من خلال احتكار تأويل الدستور ، في غياب المحكمة الدستورية ، وهو ما يمكنه من السيطرة على القرار الوطني، خاصة واته مسنود بشرعية انتخابية واسعة،  اضافة الى انه في مواجهة برلمان منقسم بأحزاب ضعيفة ومتصارعة.

ينعكس كل هذا على حرب التصدي لوباء الكورونا، فالرئيس يعتبر ان البلاد موضوعيا في وضع استثنائي ،فوباء الكورونا يمثل خطرا داهما مهددا لكيان الوطن على معنى الفصل 80من الدستور ، وهو ما ينقل جميع القرارات الى الرئيس وهو ما يحاول ان يقوم به سعيد،  من خلال حكومة الفخفاخ التي يعتبرها احدى ادوات ممارسته للسلطة التنفيذية.

بعكس الغنوشي الذي لا يزال يدافع على وضع عادي يشارك فيه بالقرار وبالتحكم فيه من خلال سحب قرارات الحكومة التي لا ينظر اليها بعين الراحة رغم مشاركته فيها الى البرلمان لتعيد صياغتها اغلبية برلمانية مختلفة للمفارقة عن الحزام السياسي للحكومة.

بفعل هذا الصراع تبدو الدولة وكأنها بصدد فقدان المبادرة في حربها ضد وباء الكورونا ، حيث يقع اتخاذ قرارات جزئية وخجولة، لا يمكن ان تتصدى للوباء مما يهدد بمزيد انتشاره،ذلك ان قرارات صارمة تتطلب وحدة وطنية، وقبل ذلك انسجام مؤسسات الحكم.

هناك اجماع اليوم على ضرورة الحجر الصحي العام وفرضه بالقوة العامة، كحل للتصدي لوباء الكورونا ،ولكن الصراعات داخل منظومة الحكم تؤخر هذا القرار ،حيث يقوم كل طرف بجرد ارباحه وخسائره اذا ما اتخذ هذا القرار.

في العصر الحديث تبدو الدول كنتيجة لاوبئتها ومجاعاتها وحروبها فالدولة-الأمة نشأت كحل لحروب ومجاعات القرنين الخامس والسادس عشر ،فهي التي كرست الدولة كجهاز يملك العنف الشرعي، واخرجت المجتمعات من فوضاها وادخلت تجربتها التاريخية، في مسار انتهى بها الى الدولة الديمقراطية.

مثل وباء كورونا فرصة للدولة التونسية لتستعيد هيبتها ولكن هذه المرة كدولة ديمقراطية ،ولكن صراع سياسييها بصدد اضاعة هذه الفرصة وربما تهديد حياة التونسيين بالموت والفوضى.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP