الجديد

حكومتنا و الكورونا .. الانتصار و ما بعد الانتصار  ؟

منذر بالضيافي

 

تمر اليوم 27 ماي 2020 ، ثلاثة أشهر بالتمام والكمال على منح الثقة لحكومة الياس الفخفاخ، من قبل مجلس نواب الشعب ( 129 نائبا من أصل 217 صوتوا بنعم ورفضها 77 نقابل تحفظ نائب واحد عن التصويت)، بعد ماراطون من “المفاوضات” و “حرب الكواليس” و “صراع الارادات”، خاصة بين الرئيس سعيد و حزب النهضة، صراع حسم بتربع الياس الفخفاخ، على “عرش القصبة”.

قدوم الفخفاخ لعب فيه “الحظ” دورا كبيرا وفارقا، فالرجل خسر الانتخابات الرئاسية، كما خسر حزبه التشريعيات، وبالتالي يفتقد “للشرعية الشعبية”، وبلا “سند” حزبي والأهم بلا دعم برلماني، ولا يستمد “شرعيته” الا من رئيس الجمهورية ( وهو أمر وازن جدا)، وأيضا من “تحالفه” المعلن مع “القوى”، التي تراهن على الانتصار ل “التغيير”، ليجد نفسه وهو المحسوب سياسيا على “التيار الاجتماعي”، مدعوا للملاءمة بين استحقاقات “الثورة”، التي لم تتحقق، واكراهات “الدولة” التي تفرض أيضا عدم الاستسلام لخطاب، وأهواء “الثورجيين” الحالمين.

و مثلما اشرنا،  فان ولادة “حكومتنا العتيدة” كانت “قيصرية”، لتجد نفسها ومنذ الساعات الأولى في مواجهة أشد وأعتى الأزمات، انها أزمة وباء الكورونا (الكوفيد -19)، أزمة أربكت حكومات مستقرة، وجعلتها تتخبط ولا تستقر على قرار صائب، ولعل مرحلة انقشاع الوباء ستصاحب برحيل حكومات وزعامات عديدة عبر العالم.

و لعل هذا ما يحيلنا للتساؤل عن حال و أحوال حكومتنا في زمن الوباء؟ وما هو مستقبلها وهي تستعد للدخول في طور “ما بعد الكورونا”، الذي سيكون أشد بأسا من الكورونا نفسها، سواء بسبب ما هو ذاتي متصل بتركيبة الحكومة وانساجمها وكفاءة عناصرها أو ما هو في علاقة بالأثار الكارثية التي نجمت عن الوباء؟

 

حكومة في زمن الوباء .. التقييم الصعب

 

من الصعب جدا “المغامرة” بتقييم أداء حكومة الياس الفخفاخ،  بعد ثلاثة اشهر من تسلمها التفويض البرلماني، ليس لقصر المدة فقط بل أيضا للظروف التي وجدت فيها نفسها وفي مواجهتها، ونعني طبعا أزمة التعاطي مع جائحة الكورونا، التي فرضت “السبات” على أقوى حكومات العالم، لكن مع ذلك لابد من الاشارة الى بعض الملاحظات، التي نقدر أنها مهمة، خصوصا والحكومة بدأت تدخل في “الجديات” كما يقول المثل الشعبي، وهي التي ستكون في مواجهة “أهوال” يعلمها رئيسها وفريقه جيدا، منها ما هو محسوب على “تركة الحكومات السابقة”، ومنها ما خلفته “تركة الكورونا” ، ومنها ما يعود لرئيس الحكومة وفريقه ولطبيعة الائتلاف الحكومي، وكذلك ما يعود لصاحب “قرطاج”، الذي يعتبر الكثير من الملاحظين، أن حكومة الفخفاخ هي “حكومته، ولذلك  يصنفها الكثيرون بكونها “حكومة الرئيس”، قول لا يجانب كثيرا “الصواب”، فالأحزاب المهيمنة على القرار السياسي داخلها، هي في انسجام و “توافق” مع الرئيس قيس سعيد، وضع ترفضه “النهضة” التي ترفض البقاء على “هامش” صناعة القرار السياسي.

من البديهيات الاشارة، الى أن حكومة الفخفاخ، جاءت للوجود  بعد تعسر بل وتأخر كبير، مرده عدم توفق الأحزاب الفائزة في الاستحقاق الانتخابي لتشريعيات 2019، لتشكيل حكومة بسرعة لمواجهة أوضاع “مربكة” – كانت ولا تزال تمر بها تونس- وأصبحت أكثر ارباكا مع مخلفات وتداعيات “تركة الوباء”، التي يتوقع – مثلما تشير الى ذلك اكثر السيناريوهات تفاؤلا – أن تكون صعبة وذات ارتدادات “مزعجة” في المستويين الاقتصادي والاجتماعي، فضلا عن تواصل “التجاذبات السياسية” التي رمت بظلالها على الأداء الحكومي وما صاحب بعض القرارات والسياسات من ارتباك، تجاذبات  برزت للسطح  من خلال تصاعد الصراع بين قرطاج والقصبة، الذي – لو استمر – ستكون آثاره اشد فتكا من الكورونا.

لذلك نقول، أن حكومة الفخفاخ – وبعد 3 اشهر – لم تستطع تجاوز “جراح” الولادة، برز هذا جليا في غياب الانسجام،  وبالتالي “التضامن” بين مكوناتها، لنسمع ونشاهد ما لا يسر، بل ما يعبر عن ما يرتقي الى “عدم المسؤولية”، من شخصيات وأحزاب أوكلت لها مهام ادارة بلد في مرحلة “انتقالية”  كل عناصرها “هشة”، وهذه حقيقة يقرها ويعترف بها الرئيس الفخفاخ نفسه، وبدأ يعمل على التخفيف من منسوبها وهو أضعف الايمان، لكن مكونات الأحزاب وخاصة التي ترى أنها “مهمشة” في البناء الحكومي وفي مركز القرار، وبرغم أنها عدديا حاضرة بقوة، تريد “قلب التوازنات”، من خلال “التمترس” وراء الدعوة لحكومة “وحدة وطنية”،  “مطلب” تعاطى معه الفخفاخ بكل “مناورة” لحد الأن في محاولة منه لتجسير الفجوة وبناء الثقة بين مكونات الفريق، وهو الذي شدد في حواره التلفزي مع قناة “فرانس 24” ، على أن حكومته تستجيب من حيث تمثيليتها لحكومة الوحدة الوطنية”، وهو محق في ذلك،  اذ أن كل الحساسيات الرئيسية في الساحة السياسية والوطنية ممثلة في الائتلاف الحكومي الذي يقوده.

 

حكومة الفخفاخ .. الانتصار على الكورونا

 

بالعودة الى اختبار مواجهة وباء الكورونا (الكوفيد -19)، نشير الى أن الحكومة تجاوزت بسرعة “صدمة” المواجهة، بل أن تحركها اعتمد على الاستباق، في التعاطي مع الجائحة، وهي التي سرعت باتخاذ الاجراءات والتدابير الوقائية، بأكثر ما يمكن من السرعة والنجاعة، وكان القرار السياسي “شجاعا” في التسريع ب “غلق البلاد”، وهي في الواقع لم تكن “مقامرة” سهلة، في ظرف عرفت فيه كل دول العالم،  بما في ذلك أكثرها تقدما حالة من الارتباك،  حيث برز تردد كبير في أداء زعمائها،  الذين نجدهم اليوم محل انتقادات كبيرة قد تعصف بمواقعهم.

لذلك كان القرار الحكومي التونسي في محله، كما انه تفاعل مع الإجراءات التي سبق وأن وضعها على الأرض حكومة الشاهد، ونعني هنا تلك التي باشرتها وزيرة الصحة السابقة الدكتورة سنية بالشيخ، التي نقدر أنه كان على الحكومة الاستمرار في الاستفادة من تجربتها، لا وضعها على “التقاعد المبكر”، وعلى كل ما تزال الأوضاع تسمح بالتدارك بالنسبة لسنية ولأمثالها في كل المجالات والاختصاصات، فإدارة مرحلة ما بعد الكورونا براي لن تكون حكومة الفخفاخ الحالية لوحدها قادرة على تخفيف من أعبائها فما بالك  تجاوزها.

في السياسة، وكما كان يقول دائما الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي: “العبرة بالنتائج”، وفي حالنا اليوم فان النتائج، وبالاستناد الى كل المؤشرات، تشير الى أن حكومة الفخفاخ قد نجحت بل قد انتصرت في تطويق وباء الكورونا، وهذا ليس من باب “البروباغندا” والتي انتهى وولى زمنها ، كما أننا لا نرضى لأنفسنا القيام بهذا الدور،  فله رجاله ونسائه وهي مهارات نقدر أننا لا نملكها وتأبى “نفسنا” التورط فيها.

نعم، وبالاستناد للنتائج على الأرض ولشهادات المختصين والخبراء، يمكن والى حد الان المجازفة بالقول بأن “تونس قد انتصرت على الكورونا”، وهو انتصار في رصيد الحكومة والدولة والادارة، وكذلك في رصيد وسائل الاعلام، التي تجندت لتوعية وتأطير المجتمع، الذي ارتقى وعيه برغم ظروف شرائح وفئات واسعة منه تعاني من التفقير والتهميش، لكنها التزمت وكانت في مستوى ما علق عليها من انتظارات، كما لا يفوتنا الاشارة الى الدور المركزي الذي لعبه “الجيش الأبيض” (الأطباء والاطار الشبه طبي والعملة…)  بقيادة وتوجيه وزير الصحة والفريق العامل معه، الذين احسنوا ادارة المعركة في الميدان وكذلك اتصاليا.

 

ما بعد الكورونا .. فرصة الاقلاع

 

لقد اصبحنا اليوم نتحدث عن “المثال التونسي” في التعاطي مع جائحة الكورونا، وهو ما ذهب اليه مقال/ شهادة لمراسل مجلة “لوبوان” Le Pointالفرنسية. في تأكيد مع ما تناقلته وسائل الاعلام الدولية نقلا عن رئيس  الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، الذي أكد في تصريحات متتالية على “أن بلاده نجحت إلى حد كبير في السيطرة على فيروس كورونا، وإنها على وشك الخروج من مرحلة انتشار الوباء بأقل الأضرار، ولا سيما بعد تماثل أغلب المصابين للشفاء”.

وكان الفخفاخ قد أكد  خلال زيارة له يوم الأحد الفارط  لمراكز إيواء المسنين بمدينة سوسة على “أن هذه النتيجة تعتبر نجاحا لتونس مقارنة بدول ذات إمكانيات أكبر لم تتحكم بعد في انتشار الجائحة”.

لكن، المطلوب الان هو الاجابة عن الأسئلة التالية: ما ذا أعدت حكومتنا العتيدة لمرحلة ما بعد الكورونا؟ وخاصة كيف يمكن لحكومة الفخفاخ أن تحول هذا الانتصار على الوباء  الى “فرصة” لا للإنقاذ فقط بل للإقلاع؟

ان تونس التي تشير كل المؤشرات، الى أنها بصدد الخروج منتصرة على الوباء، تمتلك العديد من الامكانيات والكفاءات، التي لو تحسن الحكومة توظيفها، ستمكن البلاد من تحقيق انطلاقة، ستحولها الى “نمر اقتصادي”، وهذا ممكنا وليس من قبيل بيع الوهم، شريطة توفر الارادة السياسية،  والعزم على الاصلاح والتغيير،  من أجل التمهيد لوضع “مشروع وطني”،  لنا كل الامكانيات والوسائل لتحويله الى واقع، ورئيس الحكومة الياس الفخفاخ يدرك ذلك جيدا، وهو الذي اكده لي  بنفسه، ونحن في طور سابق على تحقيق هذا الانتصار المعلن اليوم على الكورونا.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP