الجديد

منذر بالضيافي

لغز الطائرة التركية .. و مخاوف “التورط” في الأزمة الليبية ؟

منذر بالضيافي

برغم مسارعة رئاسة الجمهورية، باصدار بيان حول “حادثة” نزول الطائرة التركية الحاملة لمساعدات لليبيا لمواجهة وباء الكورونا، وهي بادرة ايجابية من قصر قرطاج تعبر عن “الوضوح” و “الشفافية” في التعاطي مع الرأي العام، مع ذلك فان طائرة ليلة البارحة الخميس بمطار جزيرة جربة، ما تزال تحوم حولها العديد من نقاط الغموض والأسئلة التي تفرض نفسها وتبحث لها عن أجوبة، في علاقة عضوية ووثيقة “بمخاطر” الانزلاق نحو “التورط” في الصراع الليبي، تحت غطاء “البعد الانساني” المروج له من وراء رحلة الطائرة التركية، ونزولها في هذا الظرف بالذات في مطار تونسي، على بعد أميال قليلة من “بؤرة الصراع” غرب ليبيا.

تزامن نزول الطائرة التركية، مع تصاعد الصراع بين قوات المشير حفتر، وحكومة السراج المدعومة من تركيا، حول السيطرة على الغرب الليبي حيث ما تزال تجري عمليات عسكرية ضارية، يتوقع أن تحدد مستقبل التطورات على الميدان وفي كواليس السياسة،  المتصل بالتسوية الممكنة في هذا الملف الذي “يزعج” بلادنا، باعتباره في علاقة بالأمن القومي التونسي.

ولعل التحرك التركي الأخير، أثار انزعاج تونسي على المستويين الرسمي والشعبي على حد السواء، وهي التي لها “حلفاء” في الحكم التونسي (حركة النهضة)، هم بدورهم يدعمون نفس الجهة (حكومة السراج والمليشيات العاملة معها)، ويرون أن حسم صراع في ليبيا لصالح “حفتر” ستكون له تداعيات “مصيرية”، على مستقبل وجودهم في الحكم وحتى في المجتمع. وهو ما يجعلهم غير مستعدين لقبول اعادة سيناريو سقوط حكم الاخوان في مصر، الذي كلفهم في صائفة 2013 الخروج من الحكم.

هذا ما يكشف عن وجود استراتيجيتين داخل منظومة “الحكم التونسي” تجاه الأزمة الليبية، طرف حكومي ورسمي رافض للتورط في الصراع، ويتمسك ب “الحياد” و “الشرعية الدولية” يمثله الرئيس قيس سعيد، ويحظى بمساندة واسعة من قبل مكونات المشهد السياسي وكذلك المجتمعي، وموقف ثان تتبناه “حركة النهضة الاسلامية”، الحزب المشارك بقوة في الحكومة والأغلبي في البرلمان.

وان كان حزب “النهضة”، يمارس نوعا من “التقية السياسية” تجاه الملف الليبي، “تقية” تختفي وراء الاحتكام أو القبول بالموقف الرسمي، الا أن هذا لا ينفي أن لها علاقات معلومة سياسية وايديولوجية، مع حكام الغرب الليبي وداعميهم في الداخل (الجماعات الاسلامية) وفي الخارج ( تركيا وقطر) وهناك تنسيق مستمر وعلني، بين رئيس النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي مع الرئيس التركي أردوغان، حول الوضع في ليبيا وهو تنسيق أثار ولا يزال جدلا بل رفضا، من قبل العديد من القوى السياسية والحزبية في تونس، لعل أخره طلب رئيسة “الحزب الدستوري الحر” عبير موسي بمساءلة الغنوشي في مجلس نواب الشعب حول “علاقاته الخارجية” خاصة مع تركيا.

بالعودة للموقف الرسمي التونسي، حول الطائرة التركية، نشير الى أنه ضمن الحد الأدنى المطلوب، اذ شدد بيان الرئاسة على ما يلي: “تفيد رئاسة الجمهورية بأنها سمحت بنزول طائرة تركية محملة بمساعدات طبية بمطار جربة جرجيس الدولي شرط أن يتم تسليم ما بها من مساعدات موجهة إلى الأشقاء في ليبيا إلى السلطات التونسية (أمن و ديوانة) و شرط أن تتولى السلطات التونسية وحدها دون غيرها إيصالها إلى معبر راس جدير ليتسلمها الجانب الليبي”.

وهو موقف عبر عن أمرين مهمين، يتمثل الأول في التأكيد على مبدأ “الحياد” في علاقة بالنزاع بين الأطراف المتصارعة، وأن الحل يجب أن يكون “ليبي –ليبي”، أما الأمر الثاني فيتمثل في التأكيد على أحد ثوابت الدبلوماسية التونسية، في عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والانتصار للشرعية الدولية، فضلا عن مراعاة المصلحة التونسية وحماية أمنها القومي، من خلال عدم السماح بتحويل التراب التونسي الى “قاعدة” لتسهيل التدخل العسكري لفائدة هذه الجهة أو تلك، وبالتالي عدم “التورط” في الصراع الداخلي الليبي، الذي يعد “مقامرة” غير محمودة العواقب على أمن واستقرار بلادنا.

في الأخير نشير الى أن نزول الطائرة التركية،  في جزيرة جربة وأيا كانت عناوينه – حتى لو كانت إنسانية – ، يجب أن يكون خاضعا لتنسيق مسبق ومعلوم وبالدقة المتناهية، مع الطرف التونسي،  ولا يكون عبر وضع السلطات التونسية، أما الامر الامر الواقع، وبالتالي “احراجها” في موضوع على علاقة حساسة بأمن البلاد.

كما أن ما حصل في مطار جربة، يمكن أن يكون مدخلا لمحاولة “توريط” الموقف الرسمي في اصطفافات، لا تفيد في حل الأزمة وفي غير انسجام مع ثوابت الدبلوماسية التونسية، تجاه الأزمة الليبية، لذلك ننتظر في قادم الساعات والأيام موقف “حازم” في هذا الاتجاه من قبل الرئاسة التونسية، حتى لا تتكرر حادثة مطار جربة، وحتى تنأى بلادنا بنفسها عن “التورط” في أتون أزمة بلا قرار .

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP