أحلام ثورة: حوار مع محمد البوعزيزي .. من فيلم طويل إلى كتاب
محمد بشير ساسي*
كتاب، أحلام ثورة .. حوار مع محمد البوعزيزي، لصاحبه سيف الدين العجيلي، هو أثرٌ ينبش في ماض قريب قيل أنه ضارب في الحاضر و متوجّس من المستقبل،، فُتحت دفاتره استجابة لرغبته التي حملها معه إلى مثواه الأخير ورافقته حتىّ عالم « البرزخ » هناك لا فناء ولا تيه … في ذلك العالم، كان وصالا رهيبا بين حامل لواء الكرامة والحرية والباحث عن الطمأنينة وسط ركام الثورة. في تلك القبلة » اللاّشرقية واللاغربيّة » التقى الجمعان لتتداعى الأفكار وتنطق الألسن بما تخالج الأرواح بين تائهة ومفقودة.
محمد البوعزيزي في لقاءه – المثقل بالأحزان والأحلام والسنين – مع الكاتب سيف الدين العجيلي، طلب بإلحاح نشر الحوار بينهما والالتزام بالوعد.. يقول الكاتب: يا بوعزيزي لقد سمعت منك العجب العجاب، صرتُ أمام شيخ عالم، لو تحدّثتُ عنك في هذا الحوار لسخر الناس مني وصرت مجنونا. يجيب الشهيد: لا عليك، فحين تغادر الرّوح الجسد، تعود النفس إلى فطرتها عاقلة لكلّ الماورائيات. فالدنيا حلم والموت يقظة.. أتمنى أن تكون نفسك قد ارتاحت وسُرّت بهذا الكلام؟ القصة، رمزيّتها ،فصولها، أحداثها،حبكتها ..
فرضت مشهدا مبعثرا بعناصر معلنة مخفية وآخرَ موحّدا بين من احترق غصبا عنه دون إرادة وصاحب الكتاب التّائه، الضائع وبرحمة الله نجى من الجنون ومن الموت بأعجوبة. حديث ثورة – ظلت ساكنة في بئر أسرارها – تلك الحكاية الجميلة وتاريخ لا ينسى، ظل شاهدا على انفلات القطيع من الراعي، وسعىي كل فرد من الرّعية للبحث عن البديل الأفضل من أجل سعاد أحلى وأرق وأنبل شعب نهض من سباته في شهر جانفي 2011.
ملحمة « المدينة الفاضلة » التي حلم بها أفلاطون وحقّقها الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، أين استمرت عدة سنوات، وبرزت في كلّ الملاحم التاريخية التي قامت على إثرها الدّول العظمى على غرار قرطاج وروما والخلافة الإسلامية والدولة العثمانية والثورة الفرنسية والبلشيفية والبرتقالية وسقوط حائط برلين والصعود الجديد لألمانيا. حوار الأحداث التي لم تُروَ سابقا، أحداث لن يدركها إلا من جعل الأحلام مطية له.. لم تتجسّد ضمن فيلم سينيمائي مطول من الخيال العلمي المماثل (لأفاتا وماتريكس)، وهو باهظ التكاليف تطبيقيا.
فالكتاب كان إرضاء لرغبة البوعزيزي وقد جزئه صاحبه سيف الدين العجيلي الذي رضخ للشهيد احتراما له ولمن سقطوا معه من الشهداء، جزّئه إلى ستة أجزاء مترابطة ترابطا كرونولوجيا انطلقت من خيبة الأمل التي حلت بالكاتب نتيجة اصطدامه بالواقع وانهيار أحلامه في قاع البئر وضياعه إلى غاية تلمس طريق عودته بعد حوار مضن ومرهق فكريا وعقائديا ونفسيا. الكاتب الذي كان يقود حزبا سياسيا أفصح عن استحيائه بأن يقال عنه مستغلاّ للأحداث للرّكوب عليها مع أنه في الحقيقة سياسي قنّاص للفرص وصيّاد ماهر بما فيها من بحث عن الأفضلية دائما ضمن المجموعة وليس للتبجّح بغرور على حدّ تعبيره.
وبخصوص سبب نشر الكتاب في سنة 2020، يقول المؤلف سيف الدين العجيلي أن تعليق نشاطه السياسي إلى إنتهاء فترة حكم النهضة ورئاسة قيس سعيّد الذي سبّب له خيبة أمل وذهول مما دُفع إلى العودة للنشاط الجمعياتي والفكري مثلما كان، والعمل في القطاع السمعي البصري لإنجاز بعض الأفلام الطويلة أو القصيرة المركونة في الذهب وبين الرفوف. _
جشع المستفيدين من الثورة وتقزيمهم للشهداء واستهزائهم من تضحياتهم لدرجة أنهم في بعض المواقع يتبجّحون بأنّ البوعزيزي ليس شهيدا وهو في النار،، حيث يقول عنهم الكاتب: « إنهم و الله لكذّابون، ولا يعرفون من الدين إلا بيع الأوهام للناس. وإني لمناظرتهم أمام الناس لقادر. فقط أطالب أن يكون ذلك أمام الإعلام وبمشاهدة الناس جميعا حتى يُبطَل سحرهم ويتبين للعالم العربي خطأ جميع أفكارهم المتواجدة بيننا ». _ المؤلف اعتبر يوم 17 من ديسمبر 2010 يوم المهانة واكتمال الكرامة وحق المواطنة في تونس.أما يوم 4 جانفي 2011، فهو يوم موت البوعزيزي وشرارة الحميّة التي رفضت المهانة و الإنطلاقة الفعلية للدفاع عن الحرية والعيش الكريم، في حين يوم 14 جانفي 2011، فهو يوم إعادة الحياة إلى البوعزيزي ومنها عادت نسمات الحرّية والكرامة لكافة الشعب التونسي محليا وعالميا. _
سيف الدين العجيلي يعتقد أنه في هذه السنة أحس أنهم احتفلوا بيوم المهانة ليذكّروه بأنه لا مستقبل في ظلّ الحرية والكرامة،فارتَأى الاحتفال بحريته وإعادة الإعتبار لو بشكل رمزي لكلّ من ساهم في توفيرها له من الشهداء بمحاورته للرمز محمد البوعزيزي. الكاتب العائد عبر الطريق العسيرة إلى الحياة الطبيعية تعاطف مع البوعزيزي إلى درجة الشفقة عليه،، لأن « ابن سيدي بوزيد » رفض الإهانة والذل والقهر، حيث كان بإمكانه اللجوء إلى ملك الحبشة أين لايظلم عنده أحد، بل أكثر من ذلك كان بإمكانه بيع دينيه وعرضه ولم يفعل.
وتابع المؤلف: »هو لم يطلب من الشعب شيئا،، يعلم أن الضعفاء ليس لهم إلا الله فرغب في الله عن غيره ولكن ليس بالشكل الصحيح، ورغم ذلك لم يطلب من أحد الخروج للدفاع عنه أبدا ». ويضيف سيف الدين العجيلي أن مُخاطبه الشهيد علّم الأحرار أنّ الفرص لا تتكرر دائما، فلحق به الشهداء الذين آمنوا بالفرصة لتكون دولة عظمى إما قرطاج حنبعل تتحكم بأموالها وحريتها وإما قرطاج روما تحكمها روما مباشرة دون سماسرة وبائعي الأوطان.. ويختم المحاوِرُ انه ليس بمناضل ولا زعيم ولكنه عبد فقير إلى ربه ذنبه الوحيد أنه تقمص عددا من الشخصيات للتمكّن من التفكير والإبداع على غرار (ألبيرت أنشتاين عالم فيزياء الألماني وصدام حسين الرئيس العراقي الراحل والزعماء الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف وفرحات حشاد).. ويبقى أغرب تقمّص حدث هذه الأيام لثلاثة أشخاص وطنية جعلته فعلا يعلن تعليق نشاط حزب الأمة في تونس إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة وهم: السادة رئيس الجمهورية قيس سعيّد، والسيد المحامي، والسيد الطبيب.
Comments