الجديد

في الذكرى 11 لتأسيسه : “نداء تونس” من الحكم الى طي النسيان !  

منذر بالضيافي

تمر اليوم 16 جوان 2023، الذكرى الحادية عشر لتأسيس حركة “نداء تونس”، من قبل السياسي المخضرم، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، الذي استطاع في “زمن سياسي” قصير جدا ( أقل من ثلاث سنوات) “قلب الأوضاع السياسية”، من خلال بناء كيان سياسي جماهيري، استطاع الفوز في استحقاقات 2014 الانتخابية، بالأغلبية البرلمانية، وبالتالي هزم الاسلاميين ولأول مرة عبر الصندوق، كما استطاع أيضا ايصال رئيسه ومؤسسه لرئاسة الجمهورية، قبل أن تدب لهذا الحزب الذي ولد “كبيرا”  الخلافات وترهقه “المناورات” بأيادي أبنائه قبل خصومه.

أسس “سي الباجي” كما يحلوا للتونسيين مناداته “نداء تونس”، رفقة مجموعة من الشخصيات الوطنية من “روافد” فكرية وسياسية مختلفة بل متباينة، في 16 جوان 2012 وهو تاريخ مثل لحظة “فارقة”  في المشهد السياسي والحزبي التونسي ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، حيث استطاع هذا الحزب، بناء “كتلة تاريخية” صماء تصدت لهيمنة التيار الاسلامي على المجتمع وعلى الحياة السياسية.

وبالتالي حماية “النمط المجتمعي” التونسي من تيار “الأسلمة” أو الأصح من “الأخونة”، الذي كان جارفا في ذلك الزمن، من خلال محاولة افتكاك الفضاءات العامة، وتحويلها الى “خيام دعوية” في ظل صمت وصل حد التواطؤ من جماعة “النهضة” .

كما استطاع “النداء” أيضا كسب معركة المنافسة على السلطة، وهو ما حصل فعلا من خلال الفوز بالاستحقاقات الانتخابية التي تمت سنة 2014 (سنتين فقط بعد تأسيس الحزب)، الفوز بالانتخابات التشريعية والرئاسية.

لكن بعد ذلك دخل الحزب في أتون أزمة لم يستطع الخروج منها، نجم عنها حصول تصدعات كبيرة في هيكله التنظيمي وفي كتلته النيابية في البرلمان، بل أنه وبعد 5 سنوات فقط من ميلاده عرف حالة “تفكك” و “انهيار” لا في بنيانه التنظيمي والهيكلي فقط بل أيضا في هويته السياسية، وهو اليوم وبعد 11 سنة من تأسيسه لا نكاد نقف له على أثر يذكر في المجتمع وفي الحقل السياسي.

و تجدر الاشارة الى أن أزمة الحزب الحاكم، بدأت منذ الفوز في الانتخابات والوصول للحكم، حيث عجزت القيادة التي خلفت رئيسه ومؤسسه، الباجي قائد السبسي، عن المحافظة على وحدة الحزب وتماسكه، وعن بناء حزب سياسي عصري وديمقراطي في انتخاب الهياكل وفي التسيير.

أسس “سي الباجي” كما يحلوا للتونسيين مناداته “نداء تونس”، رفقة مجموعة من الشخصيات الوطنية من “روافد” فكرية وسياسية مختلفة بل متباينة، في 16 جوان 2012 وهو تاريخ مثل لحظة “فارقة”  في المشهد السياسي والحزبي التونسي ما بعد ثورة 14 جانفي 2011، حيث استطاع هذا الحزب، بناء “كتلة تاريخية” صماء تصدت لهيمنة التيار الاسلامي على المجتمع وعلى الحياة السياسية.

بدأت التصدعات، مبكرا جدا، ومنذ تم اختيار رئيس للحكومة من خارج مناضلي وقيادات الحزب، وهو خطأ سياسي سيحكم لاحقا على الحزب بالتفكك ويصبح تيار من الماضي، كما بدأت رحلة التفكك من خلال استقالة الأمين العام الثاني للحزب، محسن مرزوق الذي خلف الطيب البكوش في المنصب، و اختار مغادرة ديوان الرئيس للتفرغ للعمل الحزبي، لكنه لم يعمر طويلا، وهو الذي أعلن سريعا الانسحاب، وأخذ معه جزء من الحزب وخاصة من نوابه لفي البرلمان، واسس “مشروعه” الحزبي الخاص به، وهو أول ضربة موجعة يتلقاها حزب “نداء تونس”.

و تلت استقالة مرزوق انسحابات طالت مجموعة هامة من القيادات المؤسسة، من أبرزهم المدير التنفيذي السابق للحزب رضا بلحاج، الذي شغل أيضا مدير الديوان الرئاسي. ثم لا حقا ومن رحم النداء  أسس رئيس الحكومة السابق، يوسف الشاهد، الذي اختاره بل فرضه الرئيس الراحل برغم كونه “نكرة” في الحقل السياسي، حزب “تحيا تونس”، الذي مثل بعثه ضربة موجعة للحزب الأم وأيضا للرئيس المؤسس.

وقد ساهمت هذه الاستقالات المتواترة في إضعاف الحزب الذي فقد الأغلبية في البرلمان لصالح حزب النهضة الإسلامي، الذي لم يكن بعيدا عن “تخريب” الحزب الذي كان له الفضل وخاصة لرئيسه في تشريك “الاخوان” في الحكم وصاغ معهم “توافق” سياسي، سرعان ما تنكروا له وفق ما أكد الرئيس الراحل في حوار تلفزي شهير.

ومثلما كان منتظراً فإن أزمة الحزب الحاكم (نداء تونس)، تجاوزت حدود تأثيرها البيت الداخلي الحزبي، لترمي بظلالها على المشهد العام في البلاد، وذلك من خلال إرباكها لمؤسسات الحكم.

فقد كان لهذه الخلافات تأثير مباشر على أداء واستقرار حكومتي الحبيب الصيد ويوسف الشاهد،  الذي من خلال محاولته المتسرعة والغير محسوبة العواقب  لتجنب مصير سلفه الحبيب الصيد، اختار الهروب للأمام ، فكانت النهاية معلومة اذ خسر هو ومن معه وخسر شركائه في الحكم ( النهضة ) لاحقا وألحقوا ضررا كبيرا بإدارة الدولة وبالحياة السياسية التي فقدت – كما هو ماثل اليوم – المعنى .

وكذلك ساهمت الصراعات و المناورات وغياب المسؤولية لدى عدد كبير من “مناضلي الحزب وقياداته”  في مزيد اندثار ارث وأدبيات النداء، ما جعل عملية احياء هذا “الارث” في خانة المستحيل.

لتفقد بذلك الساحة السياسية كل فرص بناء حزب وطني حداثي ، وهو وضع ما يزال الى اليوم يرمي بظلاله على الحقل السياسي التونسي، الذي يبدو أنه أصبح عاجزا عن اعادة انتاج ما قام به الرئيس الراحل، الأب المؤسس للنداء، المرحوم الباجي قايد السبسي.

أزمة الحزب (نداء تونس) ثم تفككه لاحقا ما تزال تأثيراتها السلبية مستمرة  في الحياة السياسية وفي المشهد الحزبي التونسي الى  يوم الناس هذا، فكان تفكك “نداء تونس” وعجز كل من كان يحلم بخلافة الباجي، وراء حالة التذرر وعدم الاستقرار التي يعاني منها  المشهد السياسي والحزبي.

ومثلما كان منتظراً فإن أزمة الحزب الحاكم (نداء تونس)، تجاوزت حدود تأثيرها البيت الداخلي الحزبي، لترمي بظلالها على المشهد العام في البلاد، وذلك من خلال إرباكها لمؤسسات الحكم.

وكذلك ساهمت الصراعات و المناورات وغياب المسؤولية لدى عدد كبير من “مناضلي الحزب وقياداته”  في مزيد اندثار ارث وأدبيات النداء، ما جعل عملية احياء هذا “الارث” في خانة المستحيل.

وهو ما جعل المراقبين يجمعون على أن تونس دخلت مع “تفكك نداء تونس” و لاحقا نهايته،  في أتون “أزمة سياسية” سرعان ما تحولت الى “أزمة حكم” أربكت مؤسسات الدولة وحكمت على “السياسة” بشكلها التقليدي الذي كانت تمارس به بالموت، وهو ما بينته نتائج  انتخابات 2019 التشريعية والرئاسية،  التي أفرزت برلمان فسيفسائي واتت برئيس من خارج “السيستام” ، و محسوب على التيار الشعبوي.

ولعل تصعيد الرئيس قيس سعيد ، وفوزه الساحق في رئاسيات 2019، مثل أفضل عقاب للطبقة السياسية، التي تصدرت المشهد السياسي بعد 14 جانفي 2011، وكذلك اعلان عن افلاسها السياسي والأخلاقي، وهو ما ترجم من خلال تصاعد منسوب الرفض المجتمعي لها، وضع نقدر أنه أنهاها سياسيا ومجتمعيا وسيستمر لسنوات أخرى، و ضع مستجد أدخل البلاد في طور سياسي جديد، خاصة بعد الاعلان عن قرارا 25 جويلية 2021، وما تبعها لاحقا من اقرار لوضع سياسي و مؤسساتي جديد، تحول  برغم بعض مظاهر الرفض من قبل سياسيي مرحلة ما قبل 25 جويلية، الى واقع شرعي لا يمكن القفز عليه في الداخل، فضلا على أنه محل قبول من الحارج (الاقليمي و الدولي ).

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP