الجديد

منذر بالضيافي يكتب: في الذكرى 13 لرحيل البوعزيزي .. من “أيقونة” إلى “كابوس” !

منذر بالضيافي

تمر غدا، الأحد 17 ديسمبر 2023، الذكرى 13 لرحيل محمد البوعزيزي، هذا التاريخ الذي بنيت حوله سرديات عديدة خلال السنوات الأخيرة، لا في تونس فقط بل في أنحاء عديدة من العالم، لعل أبرزها سردية “الربيع العربي”، تمر وسط حالة من اللامبالاة  العامة في الشارع التونسي، تصل حد الرغبة في عدم التذكر و الانتباه اصلا، بعد أن كان القوم وطيلة عشرية كاملة، يحجون الى سيدي بوزيد في مثل هذا التاريخ، وسط خطب تمجد ما حصل، وتبشر بعهد جديد، ليستفيق الجميع على سراب كانوا يحسبونه ماء، وكأن ما حصل لا يعدوا أن يكون سوى مجرد أضغاث أحلام !

كان الجميع – في تونس وخارجها – يعتبرون  ما حصل في هذا التاريخ وما بعده، يرتقي الى “ثورة”، في زمن خلنا فيه أن عصر الثورات قد انتهي، وخاصة تلك التي تقودها الشعوب، ومع ذلك صدقنا أننا أنجزنا في هذا البلد الصغير جغرافيا والكبير حضاريا “ثورة”.

كما أعتبر أيضا –  في تونس وخارجها – تاريخ 17 ديسمبر 2010 وما بعده، بمثابة اعلان عن دخول العالم العربي من بوابة تونس، عصر الانتقال نحو الديمقراطية، وبذلك تم الاحتفاء بحادثة حرق البوعزيزي لنفسه، وتحول ما أقدم عليه هذا البائع المتجول، في شوارع سيدي بوزيد المهمشة والمنسية، الى “أيقونة” وتعددت الروايات حوله حقا وباطلا.

بعد 13 سنة من “واقعة البوعزيزي”، تمر هذه الذكرى  وسط حالة من “البهتة الجماعية”، وهو ما يعبر عن حالة  خيبة امل مجتمعية كبيرة، تمثلت في عزوف الناس عن الشأن العام واساسا عن السياسة، واختارت الانصراف إلى تأمين حاجياتها الاساسية، في ظل ازمة اقتصادية معقدة  رمت بظلالها على حياة الناس.

وهذا ما يفسر حالة “القلق”  و “الحيرة”  و “الخوف”، التي تميز دينامية المجتمع التونسي اليوم، ضمن هذا السياق “المجتمعي القلق” لا يلتفت عموم التونسيين إلى تاريخ، كان يتوقع ان يكون مفصليا في حياتهم، وهذا الشعور ينسحب حتى على من كان اكثر حماسة للقطيعة مع وضع ما قبل “حادثة البوعزيزي”، ممن كان يحلم ببناء منوال/ انموذج تنموي جديد، وتكريس الحرية ودولة القانون، كل هذه الأحلام تحولت إلى كابوس، بعد فشل النخب في قيادة التغيير، وهي اليوم تعاقب بالشيطنة و التحقير معا.

قبل أكثر من عشرية مضت، كنا نحلم بانتقال ديمقراطي، يفرض الحريات ويؤسس للعدالة الاجتماعية، ولدولة القانون وينهي خاصة ” الحقرة” و التهميش بين الجهات، وكانت هذه المطالب في بعدها التنموي والاجتماعي، دون مبالغة هي مطالب السواد الاعظم من التونسيين المحتجين واساسا المنتفضين ، من الشباب المهمش في الداخل التونسي قبل 13 سنة ( في سيدي بوزيد وتالة والقصرين … )، وفي احياء الصفيح حول المدن الكبرى ( حي التضامن والانطلاقة والكبارية ….).  

للأسف، و بعد ثلاثة عشرة سنة  من ” الانتقال الديموقراطي “، لم يتحقق هذا وحتى ” المنجز السياسي” ( انتخابات دورية وتداول سلمي على السلطة) افرغ من محتواه و تحول الى ” ترف” عند “النخب الجديدة”، التي تبين – وبكل مكوناتها “الوطنية” والديموقراطية” و”الاسلامية” …  انها مهووسة بالسلطة  والرغبة في احتكار القرار لتجييره لمصلحتها وللزبونية التي من حولهم، لا بهدف خدمة الناس، مثلما يعلنون في هتافاتهم  و شعاراتهم الانتخابوية.  

هذا ” المكسب” السياسي، اصبح في غياب منجز مجتمعي واقتصادي مهددا، و بان جليا انه لن يصمد كثيرا، امام خيبة الامل الشعبية الكبيرة ، وحالة القطيعة بين “الحكام الجدد” وعامة التونسيين.

نبهنا منذ الاعلان عن فشل ” التوافق” السياسي، الذي حكم فترة هامة من مسار “الانتقال السياسي” ، وتحديدا منذ منتصف ماي 2018، بعد حصول الطلاق الرسمي بين الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي ومرشد الحركة الاسلامية ( حركة النهضة ) راشد الغنوشي، الى ان ” المسار الانتقالي الديموقراطي ” دخل حالة الموت السريري، وانه اصبح بلا حاضنة شعبية تدعمه وتسنده، وبلا نخب تدافع عنه، حتى تلك الواعية بأهمية الديمقراطية، التي تبقى افضل الانظمة التي ابتدعتها الانسانية لحد اليوم.

فالحماسة فترت لدى اوسع شرائح التونسيين، بما في ذلك عند الاكثر ” تفاؤلا “، والحصاد كان مر بل وفي طعم العلقم، والحلم تحول الى كابوس مزعج، و القادم اتضح بالعين المجردة انه سيكون مخيفا، لو استمر الحال على ما هو عليه.  

وقد جاءت انتخابات 2019، التشريعية والرئاسية، لتؤكد صواب ما نبهنا اليه، في مقالات عديدة وفي ثلاثة كتب ( كل شيء موثق في غوغل وفي مواقع التواصل الاجتماعي  وفي منشوراتنا من دراسات ومقالات وكتب). تلك الانتخابات  – 2019 – التي اتت نتائجها معبرة عن مقدمة دالة على “حالة الانهاك” التي اصبح عليها المسار، فقد كانت نتائجها اعلان عن ” مأزق ” عوض ان تكون ” فرصة” ، لإنقاذ المسار المتعثر حد التوقف.

ومثلما هو متعارف عليه، فان للمقدمات نتائج ، و النتيجة اصبحت معلومة ، وهي ما حصل ليلة 25 جويلية 2021، لتدخل البلاد في مرحلة جديدة، ما تزال ملامحها غامضة، وسط ظرف عالمي شديد التوتر، و واقع داخلي سمته الأساسية، وجود ازمة اقتصادية خانقة،  و انقسام سياسي ومجتمعي غير مسبوق، وتنامي متصاعد لحالة اللايقين، والقلق العام والخوف من القادم.

موقع " التونسيون " .. العالم من تونس [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP