الجديد

النادي الافريقي أسير "الفيفا" .. كما تونس أسيرة النقد الدولي

هشام الحاجي
لا يمكن ليوم واحد على اهميته و رمزيته ان يكون كافيا للاحتفال بذكرى تأسيس واحدة من اهم الجمعيات الرياضية في تونس و افريقيا و الوطن العربي لان جمعية النادي الافريقي ليست مجرد جمعية رياضية بل هي منذ مخاض تأسيسها الى احتفالها يوم امس 4 اكتوبر 2019 مرآة تعكس الى حد كبير ما يعيشه الشعب التونسي من حراك سياسي و ثقافي و مجتمعي .
لم يكن تأسيس جمعية “النادي الافريقي” حدثا عاديا بل كان تعبيرا عن بداية يقظة الوعي الوطني التونسي في مواجهة الاستعمار الفرنسي .
لقد تفطن الشباب التونسي و اهم رموزه السياسية و من بينهم عبد العزيز الثعالبي الى ان للرياضة موقعا مهما في الاستراتيجيات الاستعمارية و ان المستعمر يعمل من خلال نشر الرياضة على “تطويع” اجساد و اذهان الشباب التونسي و هو ما يتأكد في وضع قوانين تحول دون تمكين التونسي المسلم من رئاسة الجمعيات الرياضية و هو ما جعل مخاض تأسيس جمعية النادي الافريقي موقعة من مواقع التحدي الوطني للإدارة الاستعمارية.
انطلق منذ 1915 ليتوج يوم 4 اكتوبر 1920 برضوخ الاقامة العامة للإرادة المؤسسين بان تحمل الجمعية الوانا هي ذاتها الوان الراية الوطنية و بان يكون المرحوم بشير بن مصطفى اول رئيس جمعية رياضية مسلم بطريقة صريحة و دون المرور برئيس واجهة من ذوي الجنسية الفرنسية و ساهم المؤسسون اثر ذلك في تأسيس عدد من الجمعيات الرياضية و الثقافية.
و هو ما جعل من النادي الافريقي دافعا مهما في اثراء النسيج الجمعياتي التونسي و المسلم في مواجهة الجمعيات الاستعمارية و ذات البعد العرقي و الطائفي . و لم يهتم المؤسسون في سياق استنهاض الوعي الوطني بالرياضة فقط بل منحوا الجانب الثقافي مكانته المتميزة و كانت للنادي الافريقي فرقة مسرحية علاوة على الدور الهام الذي لعبه عدد من مؤسسي النادي الافريقي في تأسيس المعهد الرشيدي الذي كان اداة لمكافحة الاسفاف و الرداءة التي عمت الموسيقى في تونس من خلال الاغاني الهابطة التي تستهدف الذائقة و الوعي التونسية من اجل تكبيل الطاقات و الحيلولة دونها و التوجه الى المهمة الاولى و هي كنس الاستعمار و دحره .
احتضنت جمعية النادي الافريقي الوعي الوطني و عملت على تطويره من خلال الاصرار على ان يتصدر الهلال و النجمة قميص اللاعبين الاحمر و الابيض و هو ما جعل الزعيم الحبيب بورقيبة يلتحق سنة 1928 بهيئتها المديرة .
و لا شك ان المجال لا يتسع لاستعراض تفاصيل مساهمة النادي الافريقي في تغذية الوعي الوطني و لكن هذا الدور تواصل عقب الاستقلال اذ كانت الجمعية حاضنة لإطارات الدولة الحديثة و هو ما تجلى في ان عدة اسماء كمحمد مزالي و احمد بن صالح و حسان بلخوجة قد مرت بهيئتها الشرفية علاوة على ان احد اهم من تولوا رئاستها و هو عزوز لصرم قد لعب دورا هاما في تطوير الاقتصاد و في دعم التيار الليبرالي المطالب بالحريات  و للاتحاد العام التونسي في صراعه ضد الشق المتصلب داخل الحكم البورقيبي (1977) و رفضه للإلغاء العشوائي لصندوق الدعم (1983)  من خلال استقالته في مناسبتين من الحكومة و هو ما جعله الوزير الوحيد الذي يستقيل مرتين زمن الحكم البورقيبي .
تأثر النادي الافريقي على امتداد حكم الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي من ضبابية حوكمة الجمعيات الرياضية و من تدخل العائلة في الشأن الرياضي لكنه تحول الى حاضنة لروح رفض و تمسك بالانتماء ادت الى صموده و تجاوزه لتلك المرحلة بأخف الاضرار الممكنة .
لم تكن جمعية النادي الافريقي بعيدة عن التفاؤل العارم الذي تقبل به التونسيون و التونسيات 14 جانفي 2011 و كانت اول جمعية رياضية تعقد جلسة عامة انتخابية ديمقراطية يوم 23 مارس 2011 و كانت ايضا اول جمعية رياضية تكتشف كما اكتشف الشعب التونسي ان “الثورة ” قد تكون مطية “المتحيلين ” و محدودي التجربة و عرفت مع سليم الرياحي متاعب غير مسبوقة و انفاقا لا يتناسب مع الامكانيات و الموارد و لم تكم في هذا المستوى الا انعكاسا لما عرفته تونس في السنوات الاخيرة من رفع شعارات دون برامج و من ميل للإنفاق و الاقتراض دون تقدير للعواقب.
كما اصبحت جمعية “النادي الافريقي ” اسيرة “الفيفا” فان تونس في اسر المؤسسات الدولية المانحة خاصة صندوق النقد الدولي. و كما يتوجس التونسيون خيفة من المستقبل فان المخاوف لا تغيب عن ابناء و بنات النادي الافريقي و هو ما يفرض عليهم ان يقدموا من خلال الالتفاف حول جمعيتهم نموذجا للتضامن و الانقاذ و انجاز “حلم مشترك ” بتخطي الصعاب لان الشعب التونسي لا يعرف الياس و الاحباط.
هشام الحاجي
 

هشام الحاجي [كل المقالات]

Comments

Be the first to comment on this article

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

^ TOP